القاضي أحمد ولد عبد الله ولد المصطفى يكتب : عَنِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ العَلَّامَة عَبْد الله بن بَيَّه..

ثلاثاء, 28/10/2025 - 21:29

"الْإِيمَانُ فِي عَالَمٍ مُتَغَيِّرٍ": كتاب جديد صغير الحجم كبير المعنى والفحوى، يتدفق من حاشيته العلم والإيمان، هو في الأصل مداخلة قريبة العهد منذ عام واحد بالضبط، للشيخ الإمام العلامة عبد الله بن بَيَّه، حفظه الله، في أحد المؤتمرات العلمية العالمية..

 

من قرأ هذا الكتاب سيوقن أن هذا الشيخ، وهو أحد أوعية العلم، وأئمة الاجتهاد المعاصرين، قد ملأ الله جوانحه إيمانا، فخالط مُشاشه، وتدفقت مشاعره وسريرته حبا لله ولرسوله ودين الإسلام، وهل يحتاج هذا في الحقيقة إلى دليل؟!..

 

وليس يصح في الأذهان شيئ :: إذا احتاج النهار إلى دليل..

يُفصح لسان الشيخ وقلمه عن الإيمان بالدين الحق ونبيه صلى الله عليه وسلم، ولم يغير ولم يبدل، ولم يدع إلى دين جديد، انظر في كتابه هذا: <<ونجزم أنه لا أحد منذ نشأة البشرية حفظ لنا التاريخ من أخباره وآثاره ومآثره ما حفظ لنا عن رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حتى كان كأنما يعيش في غرفة زجاجية يطلع الناس على دقيق تفاصيلها...وكأن الله سبحانه وتعالى لما جعله آخر الأنبياء جعل سيرته تخلد، وآثاره تبقى، فكان هذا النبي مرآة انعكست فيها صورة أخلاق الأنبياء، ومثالا جمع كل الخصال وأشتات المكارم وأنواع المعارف..>>. (صفحة 15)..
ينقلب الافتراء بحق الشيخ على المفترين بهذا، فيقول القائل منهم، إنا لا نجادل في علمه، بل نأخذ على الشيخ الموقف الفلاني..

 

أيها القوم: المواقف تقديرات واجتهادات، الجهاد وحكمه الشرعي معروف، اللجوء إليه في ظرف زماني أو مكاني معين اجتهاد وتقدير يصيب ويخطئ، والعدول عنه في ظرف زماني أو مكاني معين تقدير واجتهاد يصيب ويخطئ، والهدنة كذلك، ونصرة أمير أو طائفة من المسلمين على أخرى تقدير واجتهاد يصيب ويخطئ، وأدلة هذا واقفة بالباب، وأحق الناس بأن تحترم لهم المواقف المبنية على التقدير والاجتهاد العلماء، وخاصة أهل مرتبة الاجتهاد منهم..

 

 عَرَفَتْ الأمة الإسلامية منذ أول عهدها فِتْنَات ونكبات عظيمة، تباينت منها مواقف الصحابة رضي الله عنهم، والتابعون، وعلماء السلف، ولم يقدح موقف في أي من هؤلاء..

 

بَيْنَ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهما قُتل في صفين وحدها أكثر من سبعين ألفا من الجيل الأول من المسلمين، وفي صف كل منهما بالتقدير والاجتهاد جماعة من خيار الأمة، ولم يقدح أي الموقفين فيمن أخذه، وخلفهما طائفة كسرت سيوفها وقعدت عن الأمر بينهما، ولم تتصرف، وما ضرها ذلك..

 

وكان عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وطائفة على موقف، وكان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وطائفة على موقف آخر مغاير..
وفي الفتنة العظيمة الأخرى، فتنة "الامتحان بخلق القراءن" التي بدأها الخليفة العباسي المأمون، اختلفت المواقف تقديرا واجتهادا، وحين استطرد الحافظ شمس الدين الذهبي رحمه الله موقف الإمام أحمد بن حنبل ممن أجاب من العلماء، ومنهم شيخ المحدثين يحيى بن معين، استدرك الذهبي على الإمام أحمد بقوله: "هذا أمر ضيق" يعني موقف الإمام أحمد ممن أجاب..
لكن محنة الأمة اليوم لا ذَهَبِيَّ فيها، فعزَّ فيها الإنصاف: يصطف مع قادة وطوائف من المسلمين من يلغ ويَكْرع في عرض مسلم على موقف مماثل، وفيها ـ وهذه أكبر ـ من يتوقف عن تكفير عدو الله أبي لؤلؤة فيروز الديلمي قاتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم يخالف إلى عالم مسلم متبحر فيكفره، لمجرد موقف لا يعجبه..
وقد ختم الشيخ المداخلة المنشورة في الكتاب بهذا الدعاء: "اللهم إنا نسألك إيمانا صادقا، ويقينا ليس بعده كفر، ورحمة ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين"..

 

أ. ع. المصطفى

تصفح أيضا...