عن التقارير المنسية لمحكمة الحسابات / مولاي گواد / مفتش مساعد سابقا للدولة

خميس, 23/10/2025 - 08:11

لم ينل تقرير محكمة الحسابات للأعوام 2019-2020-2021 و لا سابقيه ما ناله تقرير هذا العام من صدى وعناية على الرغم من انها شكلت إنذارا و طرحت أسئلة جوهرية حول سلامة التسيير و قوة المنظومة الإدارية. أما تقرير هذا العام فقد حرك الساكن وأفضى الى إجراءات ملموسة حيث جرد بعض المسؤولين من مهامهم وأحيلت ملفات الى القضاء او اوشكت على ذلك وظهرت ملامح مرحلة أشد صرامة في مواجهة الفساد فوجدت أنه من الانصاف العودة الى هذا التقرير وقراءته باعتباره حلقة ينبغي بحثها و محطة يتعين المرور بها.

 

فيما يتعلق بالمهام لامس هذا التقرير قطاعات حيوية تمس مصالح المواطنين وخدماتهم و منها الوزارة المكلفة بالبيئة والتنمية المستدامة في جوانب الرقابة الداخلية والانفاق وتنفيذ بعض الصفقات والوزارة المكلفة بالشؤون الاجتماعية والطفولة والاسرة في تسيير البرامج وادوات المتابعة والصرف ومكتب الحاويات بالجمارك في ميناء نواكشوط في اساليب التحصيل والرقابة والمفوضية المكلفة بالامن الغذائي في مساطر الاسناد والتخزين والتوزيع ومشروعات المياه والصرف في التعاقد والتنفيذ وتتبع الاشغال. ورغم تواضع عدد المهام قياسا بما تتيحه الوسائل و الإمكانيات و الذي لم يتجاوز معدل أربعة مهام في السنة فان اثرها كان كاشفا لنقاط الضعف الأبرز و مشيرا إلى الحالة العامة للتسيير في البلد.

 

و لعل من أهم ما سجلته هذه التقارير في تلك السنوات يتمحور حول ثلاث خانات. أولها اخطاء التسيير الصريحة مثل مخالفات لمساطر الصفقات وتغييرات تبرم بعد الاستلام ترجح منافع غير مستحقة واستلام تجهيزات بلا اختبارات تشغيل ولا تكوين لأهلها وتجزئة طلبات تضعف المنافسة وإغفال غرامات التأخر ووهن في التحصيل واسترداد الديون. وثانيها اختلال تنظيمي يشي بضعف الهيكلة و قصور في الرقابة الداخلية وغياب جرد سنوي محكم للأصول والذمم ونقص في التوثيق والأرشفة وتداخل في الصلاحيات وتعطل في ادوات المتابعة والتقويم. وثالثها قرائن على افعال قد ترقى الى شبهات فساد حين يقترن الخلل بمنفعة غير مستحقة أو بتلاعب في الإثبات كصرف مقابل أعمال لم تنجز او فروق جوهرية بين المواصفات والمسلمات أو ممارسات التفاف على الديون أو التلاعب بمساطر قانون الصفقات و هي تقريبا نفس نوعية الملاحظات في تقرير هذا العام.

 

وهنا تبرز مسألة العدل والمساواة في العقوبة و الجزاء حيث أن صون المعيار الواحد يقتضي ان يلقى تقرير 2019–2021 المصير نفسه الذي لقيه تقرير هذا العام. هذه المساواة ليست ترفا بل هي شرط أخلاقي لصون المصداقية و ضرورة لقطع الطريق أمام شبهات الانتقائية بشكل يثبت أن الدولة لا تتحرك بقدر الضجيج و لا تحت الضغط فقط بل بقدر الدليل و أهمية الملاحظ. و من الجانب الردعي فإن توحيد المعالجة و تلقائية الرد تغلق منافذ الإفلات إذا تيقن كل مسير ان الجزاء ماض لا محالة متى ثبتت المخالفة. وعلى الصعيد العملي يجب أن تترجم الجدية بوصل كل ملاحظة بإجراء محدد الأجل ونشر وثيقة متابعة دورية تبين ما أنجز وما تعثر وأسباب ذلك التعثر.

 

ولكي تكتمل الصورة ويصبح النهج متسقا ينبغي التعامل مع تقارير المفتشية العامة للدولة وتقارير المفتشيات الداخلية في القطاعات بجدية أكبر وعدم تركها حبيسة الادراج. المطلوب آليات الزامية واضحة من نشر للتقارير و ما آلت إليه و تحديد آجال نهائية للتنفيذ و ربط المسؤوليات بمساطر تأديبية ومالية واضحة والإحالة الى القضاء كلما قامت قرائن على منفعة غير مستحقة او تلاعب بالوثائق و المساطر أو أية شبهة فساد مجرم. بهذه الطريقة تصبح منظومة الرقابة وحدة واحدة متماسكة من أجل فاعلية أكبر و نجاعة أعمق .

 

أدرك جيدا ان بعض المشمولين في هذا الملف قد لا يروق لهم هذا التذكير وأنهم درن شك كانوا يفضلون أن يبقى التقرير طي النسيان كسائر التقارير التي سبقته و كانوا يعولون كثيرا على ضعف الذاكرة العامة في هذا المجال غير أن الإنصاف يلزم بأن يعامل الجميع بذات المعيار وبأن تلحق الملاحظة بإجراء والقرينة بتحقيق والجريمة بعقوبة.

 

خلاصة القول أن تقرير هذا العام حصد مساحة ضوء هامة جدا أما سابقيه فينبغي أن يلقوا نصيبهم هم كذلك من الاهتمام و التعاطي فبالمساواة في الجزاء تبنى الثقة العامة ويترسخ التوجه الجديد على أساس اخلاقي راسخ وأثر ردعي لا يلين.

تصفح أيضا...