انطباعي عن "الإسلام" لدى البيظان، وزواجي الجديد من "آمنة" العذراء/ الحلقة 10 من "تجربة ضابط فرنسي خدم في موريتانيا / 1933-1935

سبت, 19/10/2019 - 07:54

ترجمة الكاتبة : eddehma rim ـ ....اكتشافي للإسلام أمر عظيم، اسلام البظان طبعا.. إيمان "كَوميات" يلمسني بعمق، هؤلاء الرجال الذين ينحنون اتجاه مكة خمس مرات في اليوم دون أن يخدش الشك إيمانهم لحظة، هذا يعيد إليَّ صورة كفري. 

رغم فوران الحماس لدينهم، يُظهر هؤلاء المؤمنون الكثير من التسامح تجاه الديانات الأخرى، وهذا ما يربكني تعجّبا!

يقبل البظان مرافقة النصرانى دون قلق.. يعتبرونه من أهل الكتاب، وصلاته من عدمها شأن شخصي، فالله أعلم بعباده.. لم يحرجوني بإيمانهم، ولم يسعوا في دعوتي لديانتهم. 

الرماة المسلمون أكثر قسوة معي، ومع ذلك أقل تأدية لصلاتهم.. يقولون إن المسيحيين كفار، ولا يتوقفون عن التحرش بي لأنطق الشهادتين بالعربية. هذا النعت بالكافر يجرحني، أحاول أن أوضّح موقفي بالدفاع عن الإله الواحد، فأنطق لهم الشطر الأول من الشهادتين، لكن أرفض الذهاب إلى ابعد ذلك.. إلى الجزم بأن النبي محمد هو آخر الأنبياء.

 فكرتُ في الزواج ثانية، وبما أنهم لا يأذنون لنا بالإغارة، وبما أن معرفة "الزّمور" تأخذ وقتا يطول، فلماذا لا نبحث عن متعة الجنس.. المحاولة الأولى لم تكن جيدة، فهي من نوع الانطلاقة المتعثرة، فعلي أن أجرب الانتكاسة اتجاه النساء.. لجأتُ لصديقي ثانية، هذه المرة أرغب في عذراء فعلا، أسرتها أعلى شأنا اجتماعيا من زوجتي السابقة، وسأدفع مهرا صحيحا أثمن، زيادة في النوق وفي السكر مع مطية وهودج، وكسوة وحلي.. أريد امرأة من وسط نبيل من الشمال، وقد وفق صديقي في الحصول على مبتغاي؛

اخبرتُ النقيب فأبدى غضبا شديدا.. يرى أن الوقت غير مناسب، ولا يفهم سبب اصراري على أن تكون الفتاة من أسرة نبيلة، في حين يكتفي الآخرون ببنات الخدم والصناع والمطلقات اللاتي يحمن حول مخيم "كَوميات"، لكن ما يحصل مع هذه الفئة لا يتعدى نشوة نادرة، تُقْطف على عجل وراء شجرة، هذا فعلا يستكفي به الكثير منهم... 

قال لي النقيب: «إذن لم تستكف بالدرس الماضي.. ستفقر مرة أخرى من أجل داكنة؟ ستنتف ريشك.. من الأفضل أن تقتصد وتحافظ على مدخراتك كالآخرين لتقيم عرسا جميلا عند عودتك إلى فرنسا...»

 إني أتفهمه فهو يحافظ على معنويات جنوده وضباطه، وأنا من أفضلهم.. هي نصيحة منه يريد بها أن أفهم أن النساء لسن في أولوياته.

استدعيتُ جميلتي ليلة 14 من الشهر، يوم عيد العشاق، ليس لأني مؤمن بالخرافات، لكن من يدري، قد يتبسم لي الحظ.. يتبسم لنا.

أعود الى "أكيطوني" ودقات قلبي أقوى من مرتي السابقة.. القلق يمتزج مع الأمل.. تنتظرني الفتاة، وقد قدِمت وحدها.. جميلة، شابة صغيرة، صغيرة جدا، "آمنة"، بين 13 الى 14 سنة، غير مُدركة، حاسرة عن وجهها، تتكلم مع الخادم دون تحفظ، يتحدثان كأصدقاء قدامى، ارتبكتُ قليلا لحظة قدومي، لم تتجرأ على النظر إليَّ، لكنها ردت بودٍّ على تحيتي..

ذعرت بداية من الملامح الصبيانية لخطيبتي الصغيرة... أذوب بألم تحت قبضة أحاسيس متناقضة تختلط فيها النشوة بالإحساس بالإثم.. احمرَّ وجهي، فلم أتعامل مع عذراء من قبل، فمن تعاملتُ معهن من قبل لم يكنَّ مُبتدئات في الجنس، تحاشيت دوما الاقتراب من آنسات وسطي، لا لأني أحسبهن أكثر احتراما من الأخريات، لكن لم أخاطر بتحبيل فتاة فتدفعني للزواج بها، فأفقدُ حريتي، وتنتهي المغامرة الاستعمارية!

أحدق في سجينتي الجديدة.. نظرة اشتهاء زرقاء.. العيون الزرقاء عند البظان ترمز للشيطان، ترتعب منها العجائز وحتى الصغيرات.. "آمنة" لم تخف، تبتسم على استحياء لمن زوّجت له.

بدون شك أنها رأتني من قبل، من بعيد، وهي مختبئة وراء ملحفتها. أن أكون نصرانيا لا يعني لها شيئا، إنها صغيرة لحد يمنعها من تقييم الأمور الدينية ووزنها.. ضابط فرنسي، فرصة لعرس جميل.. بنات عمومتها أفهمنها أنها محظوظة إذا ما قارنت نفسها بأختها التي مُنحت لعجوز من "الطلبه"، أدرد وماكر.. لن تأسف كذلك على عدم إقامة حفل لعرسها!

الحفل ليس مرحا للموعودة، حيث يتعين عليها الاختباء طيلة اليوم في ملحفتها، في الوقت الذي يأكل فيه الآخرون ويمرحون، ليس لوالدها ولا لرجال الأسرة الحق في رؤيتها، تُزوّد بقدح من الأرز، أو صحن من اللحم، ولا يمكن لها أن تُغنِّي أو ترقص كالأخريات، ثم تتسلل في العتمة لتلتحق بالزوج الذي ينتظرها.. هذا أيضا غير مُبهج، الليلة الأولى هي الأسوأ، فأصدقاء العريس يتصنَّعون اختطاف العروس، في حين تقاوِم الفتيات بالضَّرب والشّجار.. العروس تتجاذبها أيدي مجهولة، وعليها أيضا أن تقاوم، أن تشتكي جهرا، أن تصرخ رغم خجلها وتعلن تمرّدها بقوّة... خصوصا تجتهد في اظهار خجلها، حيث إن خجل المرأة يرقى بشرف الرجل.. "آمنة" تتساءل لماذا؟ فما دام الجميع موافقون ما الفائدة من هذه التمثيلية؟ إنها تتذكر زفاف شقيقتها الكبرى..  لقد صرخت في عرسها من الرّعب فعلا، لا تمثيلا، وجرى دمعها ذعرا وخيبة أمل حين حملها الرجال إلى العجوز الخشن.

يجزم البظان أن النصارى لم يبق لهم الكثير من الوقت في البلاد، وأن من تزوجن منهم ستجدن أنفسهن مهجورات.. في "آدرار" يكثر عدد النساء المهجورات، والخلساء يصعب احصاؤهم.

"آمنة" تظن أنه من الجيد الحصول على طفل من ضابط، ومن الجيد أيضا أن تكون مهجورة لتتخلص من سلطة الأسرة، فتتزوج بإرادتها.. الخلساء ينضمون لمدارس أبناء الشيوخ، وهو ما كان يسمي "مدرسة المُحتجزين"، حين كان قائد الدائرة يرغم النبلاء على تسليم أطفالهم ويحتجزهم، كوسيلة ضغط عليهم وكذلك للتأكد من عدم انضمامهم للمقاومة.

البظان يهزؤون منا، ويرسلون عبيدا صغارا بدل أطفالهم.. وتحبك اللعبة، لكن الخلساء شيء آخر، إنهم مقدرون.

وبعد نهاية فترة المدرسة سينتسبون بسهولة للإدارة أو لفرق "كَوميات"، كما أن أمهاتهم في أمن من الحاجة.

ما عدتُ أرى إلا الجوهرة التي أمامي، حورية من الجنة، كما يردد "كوميات" في أغانيهم.. أغادر قبل طلوع الفجر، جسمي مبقّع بالصبغة الزرقاء، والذهن ممتلئ بمتعة ليلة العرس.

تصفح أيضا...