إن كنت مقيما خارج المغرب وأردت مطالعة أخبار المملكة السعيدة، فستتابع خلال هذه الأسابيع أخبارا غريبة تجعلك تتساءل إن كان البلد ينتمي لهذا العصر أو لقرون غابرة. المستجدات في بلدي هذه الأيام تتراوح بين أخبار معلم يريد قطع رؤوس متطوعات بلجيكيات لأنه انزعج من ملابسهن القصيرة... ولم ينزعج من سياسيين يهملون قضايا المواطن فيصبح هذا المواطن في حاجة لمتطوعات بلجيكيات يجهزن له الطريق أو يبنين مستشفيات أو يعلمن الأطفال.
الأخبار في بلدي تتحدث أيضا عن برلماني يعبر بإصرار عن رفضه لملابس نفس المتطوعات... ولا يحاسب حزبه الذي يترأس الحكومة، عن تخلفه عن الاهتمام بقضايا المواطنين.
ثم منذ أيام، أصبحت الأخبار في بلدي تتحدث عن شابة عمرها 28 سنة تدخل السجن بتهمة الإجهاض والعلاقة الجنسية غير الشرعية.
أخبار تجعلك تتساءل: في أي قرن نعيش؟ وما هذا الهوس بأجساد النساء وشورتاتهن وأجهزتهن التناسلية وأرحامهن؟
هؤلاء الذين انزعجوا من ملابس المتطوعات البلجيكيات ومن العلاقة الجنسية خارج الزواج والحمل والإجهاض، وهذا القانون نفسه الذي يجرم العلاقات الجنسية للأشخاص الراشدين ما لم تكن في إطار الزواج، لماذا لا يجرم مسؤولية الحكومات المتعاقبة عن المستويات الكارثية للتعليم العمومي اليوم في المغرب؛ ومسؤوليتها عن الحالة الكارثية لقطاع الصحة الذي يعاني من أبشع الأمراض...؟
ولماذا لا يجرم غياب الأمن في الفضاء العام، ولا يجرم التحويل التدريجي للطبقة المتوسطة إلى طبقة فقيرة بفعل سياسات اقتصادية لا تأخذ بعين الاعتبار حاجيات المواطنين، وخصوصا منهم أولئك المنتمون للطبقات المتوسطة؟
ولا يجرم عدم التوازي بين مستوى الضرائب الذي يرتفع تدريجيا دون أن ترتفع الخدمات التي يتلقاها المواطن مقابل ضرائبه؛ ولا تفشي مظاهر الفقر وتراجع منسوب القيم؟
لا... وحدها الحياة الجنسية للمواطنين ووحدها الملابس القصيرة للنساء تسبب الأزمات وتزعج حماة الأخلاق من سياسيين يسنون القوانين ومواطنين مهووسين بالجنس وبالجسد!
سناء العاجي
كاتبة وصحافية مغربية، لها مشاركات عديدة في العديد من المنابر المغربية والأجنبية. نشرت رواية "مجنونة يوسف" عام 2003 كما ساهمت في تأليف ثلاث كتب مشتركة: "رسائل إلى شاب مغربي"، "التغطية الصحافية للتنوع في المجتمع المغربي" و"النساء والديانات". نشرت عام 2017 كتاب "الجنسانية والعزوبة في المغرب"، وهي دراسة سوسيولوجية قامت بها للحصول على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من "معهد الدراسات السياسية" في إيكس أون بروفانس بفرنسا.