تصنف بوتسوانا الدولة الإفريقية الصغيرة القابعة في جنوب القارة كدولة رائدة على مستوى إفريقيا بل والعالم ،حيث استطاعت أن تنجح في بناء اقتصاد قوي إلى جانب ديمقراطية راسخة.مما جعلها نموذجا فريدا للدولة النامية التي كسرت قالب التسلطية والفشل التنموي.
بين بوتسوانا وموريتانيا أوجه شبه كثيرة فهما بلدان صحراويان وشعوب قليلة -نسبيا -بالمقارنة مع الدول المجاورة لهما ، وحصلا على الاستقلال في عقد واحد ،ونشأت الدولة في البلدين في خضم تحديات متشابهة :مجتمع قبلي ،اقتصادي يقوم على الثروة الحيوانية، ،تهديدات ومطامع من دول الجوار. لكنهما ورثا عن الحقبة الاستعمارية ديمقراطية جنينية .فطورت بتسوانا تجربتها الديمقراطية وجمعت بين المعايير العالمية والخصوصية المجتمعية البوتسوانية ،فأصبحت دولة ديمقراطية رائدة ، تجري فيها انتخابات منتظمة وتنافسية، ولم يسبق أن دخلت في حروب أهلية أو تدخلات عسكرية. ورغم شرعية مطالبها الحدودية فقد فضلت اللجوء إلى التحكيم الدولي في نزاعها مع نامبيا ،وقد كسبت القضية بعد قرار محكمة العدل الدولية في العام 1999. في المقابل قامت موريتانيا بوأد التعددية عام 1965 وانتهجت نظام الحزب الواحد ثم دخلت حربا مدمرة وغير شرعية ،ومن رحم الحرب وهشاشة المؤسسات السياسة خرج الحكم العسكري بطبعاته المتناسخة.
كانت بوتسوانا عشية الاستقلال عام 1966م من أكثر الدول فقرا في العالم،وكان اقتصادها يقوم على الثروة الحيوانية، حيث جعلت من صادرات اللحوم أهم دعائم اقتصادها- قبل اكتشاف الماس-، حيث أسست عام 1967 هيئة لحوم بتسوانا، التي لعبت دورا مركزيا في تطوير الاقتصاد الحيواني، ووضعت الهيئة سياجا للحد من انتشار مرض الحمى القلاعية وعززت الصادرات، التي ساهمت في تنمية الاقتصاد وزيادة دعم المؤسسات الاقتصادية الشاملة"
أما في موريتانيا فرغم الثروة الحيوانية الكبيرة والمتنوعة والتي تشكل وضعا متميزا في دول الإقليم، فلم تحظ بالتطوير المناسب عبر كل الحقب فخلال الخطة الاقتصادية الأولى (1963-1966م) كانت الخطة صريحة حينما نصت حرفيا على أنه "في بلد تكون فيها الموارد الزراعية محدودة وتعانى الثروة الحيوانية من نقص المياه وهشاشة المراعى فان التنمية يمكن تحقيقها باستغلال الموارد المعدنية" وانطلاقا من هذا التوجه لم يحظ القطاع الريفي سوى بحوالي (8. 6%) من مجموع الاستثمارات المخططة ولم ينفذ من هذه الاستثمارات المخططة المخصصة للقطاع سوى (7.45%) رغم أن الغالبية الساحقة من مجموع السكان كانوا يعملون ويعتمدون في معيشتهم في ذلك الوقت على هذا القطاع.
عشية الاستقلال عام 1966م كان لدى بوتسوانا اثنا عشر كيلومترا فقط من الطرق المعبدة، واثنين وعشرين مواطنا تخرجوا من الجامعة، ومائة شخص من المرحلة الثانوية. والأسوأ من كل هذا، أنها كانت تقريبا تماما محاط بالأنظمة الحاكمة الخاصة بالبيض في جنوب إفريقيا وناميبيا ورودسيا، والتي تعد جميعها معادية للدول الإفريقية المستقلة التي يديرها السود. فلم يتوقع سوى عدد قليل جدا من الناس نجاحها. غير أنه خلال الخمس والأربعين سنة التالية، أصبحت بتسوانا واحدة من الدول الأسرع نموا في العالم، وأصبحت بتسوانا اليوم يوجد بها أعلى دخل للفرد في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، والذي يعادل نفس مستوى الدخل في أوربا الشرقية الناجحة مثل إستوانيا والمجر، وأكثر دول أمريكا اللاتينية نجاحا، مثل كوستاريكا.
كيف كسرت بتسوانا القالب ؟
يقدم لنا تحليل ابرايرا (وتيرنس كارول) إجابة عن هذا السؤال فقد حددا العوامل التالية الكامنة وراء النجاح السياسي والاقتصادي لبتسوانا ، ويتمثل تحديدا في:
1- قادة سياسيون محنكون ملتزمون شخصيا بالحكم الديمقراطي والتنمية الاقتصادية، .
2- إنشاء بيروقراطية للدولة ذات كفاءة ومستقلة سياسيا وتتبع في شؤون موظفيها بالدرجة الأولى سياسات الاستحقاق، لكنها ذات تكوين تمثيلي نسبيا لمجتمعاتها.
3- تطوير فضاء عام قادر في حدوده الدنيا على فرض ضوابط على أفعال الدولة، ويتصف بقدرته على الموازنة بين المعايير العالمية والمعايير الخاصة، وباعترافه البراغماتي العملي بدور التمثيل المهم للمنظمات والمؤسسات القبلية أو العرقية.