كان يمكن لفوز المعارضة في بلدية عرفات في الشوط الثاني أن يمرَّ دون أن يثير أي فرح ولا أي شعور بالانتصار، وذلك على الرغم من أن أي انتصار للمعارضة يستحق في كل الأحوال أن يثير فرحا، لأنه انتصار قد انتزع انتزاعا من نظام ما يزال يستخدم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لحرمان المعارضة من تحقيق أي فوز انتخابي.
كان فوز المعارضة في عرفات يمكن أن يمر بطعم الهزيمة، فبلديات عرفات وتوجنين وحتى الميناء لا تمثل إلا ثلث بلديات العاصمة، الشيء الذي يعني بأن الحزب الحاكم كان قد فاز بثلثي بلديات العاصمة، وبمجلسها الجهوي، هذا بالإضافة إلى عدد كبير آخر من البلديات والمجالس الجهوية والنواب على عموم التراب الوطني، ولذلك فقد كان فوز المعارضة في عرفات في الشوط الثاني، وبفارق بسيط جدا، كان يمكن أن يمر بطعم الهزيمة في ظل ما حققه الحزب الحاكم من "انتصارات " كاسحة في انتخابات 1 و15 سبتمبر.
بالمنطق السليم لم يكن هناك أي مبرر لابتداع فكرة الشوط الثالث الظالمة، ولكن الجشع الذي يطبع سلوك النظام هو الذي أوقعه في ورطة الشوط الثالث..جشع النظام لا يقتصر فقط على تحصيل المال، بل يمتد أيضا ليصل إلى الجشع السياسي والانتخابي، وذلك هو ما يفسر إصرار النظام على دمج بعض الأحزاب الصغيرة في الحزب الحاكم حتى يزيد بذلك من عدد نواب الحزب، كما يظهر أيضا ذلك الجشع السياسي والانتخابي من خلال ابتداع فكرة الشوط الثالث من أجل انتزاع بلدية عرفات من المعارضة.
وبالإضافة إلى جشع النظام فهناك أيضا الغباء وهناك الاستهتار الذي جعل النظام يظن أنه قادر على فعل كل شيء..كل ذلك جعل النظام يقرر تنظيم شوط ثالث في بلدية عرفات، فجاء الفوز هذه المرة بطعم خاص بل وخاص جدا، وبفارق أكبر كاد أن يتسبب في خسارة الحزب الحاكم لأحد مستشاريه البلديين الذين حصل عليهم في الشوط الثاني.
لسان حال عرفات يقول اليوم، وبلسان سياسي وانتخابي فصيح : إن نظمتم شوطا رابعا فستكون خسارتكم أكبر.
في الشوط الثالث دفع النظام بالحكومة والجنرالات ورجال الأعمال والوجهاء إلى عرفات، وحول المعركة إلى معركة بين الدولة بكل ما تملك من وسائل ولائحة معارضة، وكانت النتيجة أن لائحة المعارضة تمكنت من هزيمة النظام هزيمة نكراء.
نتائج الشوط الثالث في عرفات ستبعث ثقة وأملا، وستزرع روح التحدي في نفوس المعارضين، وستؤكد للمعارضة بأن وقوفها في صف واحد خلف لائحة واحدة قد يصنع الفرق في الانتخابات الرئاسية القادمة، كما صنعه في عرفات ذات شوط ثالث تم فرضه فرضا، ولذلك فإن من ابتدع فكرة شوط ثالث يستحق من المعارضة الكثير من الشكر.
من المهم جدا أن تكون آخر صورة لآخر معركة انتخابية مع النظام هي معركة الشوط الثالث في عرفات، فمثل تلك الصورة ستبقى عالقة بذهن الناخب وربما يتذكرها ذلك الناخب لحظة التصويت في الانتخابات الرئاسية القادمة..مرة أخرى شكرا لمن ابتدع فكرة الشوط الثالث في عرفات.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل