أصبح لقب "إبادو" كما ينطقها السنغاليون علما على الدعاة الإسلاميين الذين يتميزون بمظاهر أبرزها إطلاق اللحية والقبض بالنسبة للرجال والحجاب بالنسبة للنساء مع عدم المصافحة بين الجنسين.
يعتقد نشطاء جماعة عباد الرحمن أنهم بذلك نجحوا في تغيير كثير من العقليات وصححوا جانبا من التدين، مؤكدين أن حركتهم التي نشأت منتصف العام 1978 أصبحت جزء مهما من الساحة الدينية في بلد يسيطر عليها التصوف دينيا والعلمانية سياسيا.
تأسست جماعة عباد الرحمن سنة 1978 على أيدي مجموعة من الشباب السنغاليين المتأثرين بفكر الإخوان المسلمين، والمقتنعين بضرورة إيجاد إطار دعوي و فكري يُعيد للشعب السنغالي هويته الإسلامية والعربية التي طمست الإدارة الاستعمارية الفرنسية الكثير من معالمها.
كان معظم مؤسسي الجماعة ينتمون إلى الاتحاد الثقافي الإسلامي حتى طردهم منه سنة 1976 بعد خلافات مع قيادة الاتحاد. وقد اتخذت الجماعة من مدينة "تيس" الواقعة على بعد سبعين كيلومترا غرب العاصمة داكار أحد أهم معاقلها الدعوية والتعليمية.
غالبية الأعضاء المؤسسين من خريجي البعثات الطلابية التي تلقت تعليمها ببعض الدول العربية، مثل المغرب والجزائر ومصر والسودان والسعودية، و تعرَّفوا على الحركات الإسلامية الإصلاحية و تأثروا كثيرًا بمنهجها الفكري.
إخوان بطبعة إفريقية
تعتبر الجماعة نفسها "حركة إسلامية شمولية تركز على الدعوة والتربية وإصلاح الحياة والشأن العام بالبلاد من خلال المنهجية الوسطية"، ويقوم مشروعها على العمل على إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والمساهمة مع الآخرين في إصلاح المجتمع السنغالي، حسب وثائق الجماعة.
ومع تأكيد الحركة على علاقتها الفكرية الوثيقة بجماعة الإخوان المسلمين واستلهامها للكثير من أنماط العمل الفكري والحركي من هذه الجماعة، إلا أنها تنفي أن تكون عضوا في التنظيم الدولي للإخوان"
وخلال مسيرتها الأربعينية استطاعت الحركة تعميق رؤيتها الفكرية وإضافة منطلقات جديدة أبرزها التمييز بين العمل السياسي والدعوي، والتوجه إلى العمل المدني بفروعه المختلفة.
ملامح الشارع
أثرت جماعة عباد الرحمن بقوة في الشارع السنغالي وهو ما يظهر الأعداد المتزايدة للمحجبات وكذا الحضور النوعي للجماعة في صفوف الطلاب السنغاليين، ومن بينها رابطة الطلاب والتلاميذ المسلمين في السنغال وهي الجناح الطلابي لحركة عباد الرحمن.
أمراء وخلافات
تنتخب جماعة عباد الرحمن أميرا لإدارة عملها يسانده في ذلك مكاتب دعوية وسياسية متعددة، وقد تعاقب على إمارة الحركة المذكورة أمراء من أبرزهم:
1- الشيخ علي جوف، رحمه الله
2- الشيخ سيدي غالي لوح
3- الشيخ مالك نجاي، رحمه الله
4- الشيخ أحمد جا
5-الشيخ سيرين بابو
6- الشيخ عبد الله لام، وهو الأمير الحالي للجماعة
وكأكثر الحركات الإسلامية تصدعت جماعة عباد الرحمن على صخرة السياسة، حيث غادرها عدد كبير من زعمائها وقادتها العلميين وذلك إثر الخلاف حول المشاركة السياسية، لينتهي الأمر بتأسيس عدة أحزاب سياسية خرجت جميعا من عباءة " عباد الرحمن".
واستطاعت الأحزاب المذكورة تحقيق حضور نسبي في البرلمان السنغالي والمجالس البلدية، قبل أن تمنى جميعا بخسارة فادحة في الانتخابات التشريعية في 2017، حيث عجزت القوائم الأربع التي رشحها سياسيو عباد الرحمن عن الفوز بمقعد واحد.
وقد أعاد مراقبون للشأن السنغالي سبب تلك الخسارة المدوية، إلى فقدان الجناح السياسي لعباد الرحمن عدد من رموزه الدعوية والعلمية التي غابت عن لوائح الترشيح وكان لحضورها دور قوي في النتائج التي حصلها أنصار عباد الرحمن في الدورتين البرلمانيتين السابقتين:
انتهاج خطاب سياسي مرن متحرر من المفاهيم القيمية التي ركز عليها العباديون خلال الفترات السابقة.
تشتت اللوائح المترشحة إلى أربع بدل تجميع الجهد في لائحة واحدة.
تراجع الحضور الدعوي لحركة عباد الرحمن وطغيان الهم السياسي على مشهدها العام.
ورغم التراجع السياسي فإن الحركة تبقى محظوظة في ظروف النشأة والتطور، حيث قامت بأقل مستوى من الصراع السياسي مع السلطة رغم معارضة النخب العلمانية الحاكمة للتوجه الإسلامي الخاص بعباد الرحمن.
ويبقى الانفتاح الديمقراطي في السنغال عاملا أساسيا ساعد "عباد الرحمن" على أن يحفروا موقع قدم بين نهري التصوف والعلمانية في السنغال.
وكالة أنباء لقوارب