لَجْنَةُ الأهِلَّة: لن يَنْقَطِعَ "التَّسْبِيحُ"../ القاضي أحمد ولد عبد الله ولد المصطفى

خميس, 05/06/2025 - 14:51

 

مَرَّتْ مراقبة الأهلة وإثباتها منذ نشأة الدولة الوطنية بمراحل مختلفة، لم ينقطع عنها الجدل واللغط،والتشويش، فحمل ذلك إمامَ القطر شيخ الإسلام بداه ولد البصيري رحمه الله على اعتزال الموضوع، بعد القيام بأعبائه أعواما، فردَّد على أعواد منبره، في سياق اعتزاله: "عتْ إمَامْ الناس ذُوكْ"..
انتهى الأمر إلى لجنة مركزية يرأسها قاض، وتتشكل من علماء وفقهاء، تتبع لها لجان محلية..
في سنواتها الأولى، وفي ظل غياب التغطية الهاتفية، وضعف الترابط الطرقي بين مناطق البلاد، كانت اللجنة تراجع بياناتها، فترجع إلى رؤية تُثْبِتُ أو تنفي، يحصل ذلك أحيانا ضحى أو زوالا أو عصرا في أول رمضان أو آخره..

 

فكان اللغط لا ينقطع، ويتفنن الناس فيه بتندر: اللجنة ترى الهلال زوالا، اللجنة تجعل رمضان 28 يوما، اللجنة.. اللجنة..
كان الناس ـ لفترة ـ يصبحون في يوم من شعبان بعد بيان ليلي للجنة عبر الإذاعة، وفي الضحى أو الزوال يُعْلَنُ ثبوت رمضان فيمسك الناس، على الحالة التي هم عليها..
ويصبحون في يوم من رمضان، ببيان ليلي، وبعد العصر منه يُعْلَن ثبوت شوال، ولم يبق من يوم عيد الفطر إلا "ظُمْـ ءُ حِمَار"..
ويعرف من عايش تلك الحقبة ما أثارته المراجعة من تشويش وتنغيص ولغط..

 

إثر توسع التغطية الهاتفية والربط الطرقي، وتراكم الخبرة والتجربة توقفت اللجنة ـ فيما يبدو ـ عن مراجعة الرؤية، وربما لأن تحقيقاتها السرية تنتهي إلى عدم جدية كثير من إشاعات الرؤية المتراخية..
 

فلم ينقطع الجدل والتشويش، ففي كل مرة نَفْي لإمكان الرؤية، أو حديث عن رؤية هنا أو هناك، واتهام للجنة بتجاهلها، ومطالبات بمراجعة قرارها..
إلى ذلك: اللجنة هيئة من قضاة وعلماء، أمناء، على عدالة وورع ـ نحسبهم كذلك ـ تبذل الوسع، وتُثبت أو تنفي على نحو ما يرفع إليها، بعد إعمال المنهج الشرعي في الجرح والتعديل والإثبات، على أسَاسٍ مقبولٍ شرعا ومعتمد رسميا، هو أنه "لكل أهل بلد رؤيتهم"، وتأخذ بالأسباب المتاحة لرفع الرؤية، وهي أسباب في يد غالبية الناس اليوم، ولا نوازع ذاتية لها في جميع الحالات بالقطع..
لكن الأمر فيه بعد آخر: سلوك بدوي سائد، من طبعه الفرار من النسق والتنظيم والتسليم لرأس واحد، سلوك يدفع إلى الشغب من يرى الأمر يُقضى دونه، ليس له فيه ذكر، ومن يرى مركزه في خطر بوجود جهة معينة مختصة، ومن يرى أنه أحق بعضوية اللجنة، ومن لم يؤخذ برؤيته بسبب إعمال منهج الشرع في الإثبات والجرح والتعديل، مع العلم أن اللجنة لا تنشر شيئا عن رؤية لم تقبلها..

 

أجزم أنه إذا رجعت اللجنة إلى منهج مراجعة الرؤية فَصَوَّمت الناس ضحى أو زوالا أو عصرا عقب بيان ليلي بعدم الثبوت، أو فطَّرتهم في مواقيت مماثلة، أو حولت يوم 28 من رمضان إلى يوم 29 منه، رجوعا إلى رؤية سابقة، فسيكون الصياح بها والتشكي منها أكبر، وسنرجع إلى حقبة ماضية بضجيجها ولغطها، وأراجيفها، ولن نستريح..

 

وفي كل الأحوال سيظل حال اللجنة كالحال الذي تَهَكَّم عليه ذات يوم الإمام الأكبر بداه ولد البصيري رحمه الله تعالى بعمق معرفته للواقع وظرافته الفطرية: "إمَامْ الناس: سَبَّحوا به جلس، سَبَّحُوا به وقف، سَبَّحُوا به: استلقى وتَمَرَّغَ، ولن ينقطع "التَّسْبِيحُ" باللجنة مهما يكن..

تصفح أيضا...