ايام صدور كتاب ،" الحركة الفكرية في بلاد شنقيط حتى نهاية القرن الثاني عشر الهجري لمؤلفه الاستاذ المؤرخ المتميز عبد الودود ولد عبد الله ( ددود شهرة ) علقت عليه بقراءة سريعة ختمتها بخلاصة مفادها بان " تبين خلفية الصراعات الفكرية في تلك الحقبة بايجاز متقون مع هوامش مفيدة من الإحالات و ملحق غني من المعطيات المرجعية معين على فهم ما تلاها من تطورات في القرنين المواليين و على ما يجري في يومنا هذا خصوصا اذا تم سرده بطعم مغري لامثالي من المتطفلين ( أصكاكطية ) .
و يبدو ان شيئا ما تكلم على رأس لساني لانني لم اتردد في الاستجابة لدعوتي من طرف الاستاذ محمد سيدي احمد فال ( بوباتي ) مدير مركز البحوث و الدراسات الانسانية( مبدا ) للمشاركة في مناقشة كتاب الهوية و الذاكرة في بلاد شنقيط و هو عنوان جديد جمع به الاستاذ ددود بحثه المذكور أنفا بعد ان عمقه مع بحوث قيمة سبق ان قرأت جلها او بعضها و جاء كل ذلك ضمن مدونة شاملة لتاريخ الفضاء المسمى ( حسب العنوان ،) ببلاد شنقيط بابعاده الجغرافية و البئيية و الاقتصادية و الثقافية و اللغوية ..
و لعل ما دفعني الى عدم التردد في قبول الدعوة هو كون المؤلف شرفني مشكورا كعادته بنسخة من كتابه فوجدتها فرصة لاسمع منه و لاطرح عليه بعض الأسئلة خارج الميكروفون في قاعة مغلقة لمركز للدراسات بالطابق الثاني من عمارة موريسانتر ( طبقا لما نصت عليه الدعوة ) لكن يبدو ان المركز قرر ان تكون ندوة بقاعة كبرى مع تغطية من وسائل الاعلام ( التي لا يعول عليها في السترة ) و هكذا وجدت نفسي في حالة تطفل على مائدة التاريخ مع الاخوين الفاضلين الاستاذين الجامعيين القامتين رئيس الندوة الاستاذ محمدو بن امين و الاستاذ ددود .
فصرت كمن يقدم رجلا الى الوراء خوفا من عدم الكفاءة في حضرة اهل الفن ثم يقدم اخرا الى الامام رغبة في تناول ما تم عرضه على المائدة بشهية و تمنيت عكسا لمقولة " الطكوطي ما يحمل صاحبه ) لو كان معي على المائدة متطفلون اخرون .
فلما أحيل الى الكلام بادرت بالقول باني ساتحدث كما لو كنت اطأ على البيض .( Marcher sur les œufs )
.. لانني لست مؤرخا و اخشى الخوض في التاريخ و ما قد يقود اليه من كلام مثير لحساسيات المجتمع الاهلي المسكون بغول الفتنة النائمة
... و اكثر ما اخشاه هو التحدث العلني في تاريخ اهل الخيام الذي يدل عليه ما ورد في الاثر ب " إنّ العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا"
و قد سمعت مشاييخ الوسط المحظري ( الطلبه ) الذي احسب عليه يبررون عدم دراستهم للتاريخ و تدريسه بضرورة تجنب الاثارة بحجة ان " ال ما خل الطلبه يجابرو رد الفايتات ).
لكن اهتمامي ينصب بصفة خاصة على تاريخ الفكر الذي يعالجه المؤرخ الاستاذ ددود في اعماله باسلوب موضوعي ضمن ما يسميه تاريخ الفكر ( و هذا حسب ما ارى مصطلح فضفاض ).
ان الاشكاليات المرتبطة بتاريخ الافكار السياسية و تاريخ الفقه و ما صاحبه من صراع التيارات العقائدية مذ عهد المرابطين الى تاريخ الدولة الوطنية مرورا بالحلقة المفقودة التي تلت نهاية دولة المرابطين في هذه الربوع و طبعا بحقبة الإمارات و الكونفدراليات القلبية .. كلها مواضيع جديرة باهتمام المتخصصين في العلوم الانسانية او المهتمين بها كما انها ترتبط بالواقع المعاش الذي يتطلب نظرة متعددة الابعاد و من هذا المنظور يمكن القول بان قراءة كتاب الهوية و الذاكرة في بلاد شنقيط معينة على فهم العقليات السائدة في مجتمعنا اليوم و ما يترتب عليها من العلاقة بالسلطة او السلطان " طاعة السلطان " و بالفقهاء ( طبقا لقاعدة ديرها على رقبة عالم و امركها سالم )..
و بالجملة تجدر الإشارة الى ان تاريخ الافكار السياسية و تاريخ القانون ( histoire du droit) كعلوم عصرية في الدولة الوطنية تعتبر امتدادا لتاريخ لكيانات باسماء متغيرة ( دولة المرابطين، مملكة غانا ، تراب البيظان ، بلاد التكرور ، بلاد شنقيط الخ ) ينبغي ادماجها منهجيا في تاريخ موريتانيا.تلك حسب رأيي ضرورة وطنية عبرت عنها بمصطلح " تأميم التاريخ " .
فتاريخ بلاد شنقط هو جزء من تاريخ موريتانيا خصوصا ان التعددية الثقافية للبلد التي تدل على تاريخ مشترك بين الموريتانيين بمختلف اصولهم حاضرة بكثاقة في كتاب "الهوية و الذاكرة في بلاد شنقيط " الذي كان بامكانه ان يسمى " الهوية و الذاكرة في تاريخ موريتانيا "
عبد القادر ولد محمد