السهل الافريقي الغربي..
هو سهل عظيم ينبسط من اقدام تقانت وحتى نقطة التقاء تشاد بالنيجر..
انه سهل معروف بمناخه الخاص..
وبجماليته وبعظمة السافانا..
وكثافة الحياة البرية.
بعد اعادة تشكيل افريقيا "الفرنسية" باربعينيات القرن الماضي قررت باريس اثر الفواجع الدامية التي وقعت بين بعض القبائل الحسانية ان تقتطع منه ومن الحوض قطعتين..
وان تضمهما لموريتانيا..
وبذلك صارت موريتانيا مقاطعة مرتجلة من ماوراء البحار..
ثم دولة مكتملة الأركان والأوصاف.
لم تمر هذه العملية الجراحية بسلاسة..
اذ لم يؤخذ فيها البعد المائي لأسباب عصية على التفسير.
هكذا اصبح السهل منبترا من عاصمته التاريخية انيور..
بل اصبح السهل يترجم بالساحل..
وهي ترجمة رقيعة لم يكترث صاحبها بالفوارق الألسنية بن لغات اوروبا ولغتنا.
الفتحة الموجودة في كلمة السهل.. حولتها خيانة الترجمان الى الف ممدودة..
وصرنا نتحدث عن دول الساحل..وعن المناخ الساحلي..وعن الارهاب في الساحل..
انها ترجمة رديئة وتشوش الذهن..
وتخلط البحر بالبر ايما اختلاط..
بالمختصر المفيد :
هذه المراجعة المرتجلة للخريطة الادارية.. لم تنتبه الى حقيقة مائية عظيمة مفادها ان سكان ما سيعرف بالحوضين.. كانوا ومنذ آلاف السنين من الرعاة الذين يعتاشون من نهر النيجر..
النيجر العظيم والمتدفق عليهم كل عام لرفد حوضهم الفخم والكبير..
كل ذلك كان في القرون الخوالي..
و قبل جريمة سدود مكتب النيجر...
تلك الاقطاعية الفرنسية التي رصفت ضفاف النهر واحتكرتها لصالح مقاطعة السودان الفرنسي وحولت الدلتا الداخلية الى قناطر تقوية تيار بدل قنوات تصريف فرعي.
وكما في السهل منذ تحولت انيور الى بلدة مالية..
ستصبح خويبة راس الماء الحوضية كذلك...
وستتغير حقيقة الضفة الشمالية لنهر النيجر..
وستتمزق القبائل بين دولتين..
وسيتم توقيف الصلات بين الناس في المسارين المتكاملين والمتقابلين منذ الازل.
أي انهاء الصلة التاريخية بين المزارع.. والمنمي.
ولنفهم فداحة الارتجال وخطره..
تخيلوا للحظة ان الركيز صار في دولة..
وان بوتلميت أصبح في اخرى.
وان المذرذرة صارت في دولة..
والقوارب في اخرى..
الا ترون تقصدا ماكرا واستهدافا واضحا للدورة الاقتصادية
بغية تدمير آثم للبنية الاجتماعية ؟
ولعل هذا سبب جل القلاقل الامنية في مالي وموريتانيا.
ومنذ الاربعينيات.
الحل الحقيقي لمشكلة الاستقرار في موريتانيا ومالي..
يتطلب يقظة ذهنية.. وعملا ابداعيا جبارا..
بكل صراحة :
على موريتانيا ان تقايض دعمها لمالي بمعاهدة جديدة تقبل فيها مالي احياء مسيلة تاوريرت التي اغلقتها ورشات "اوفيس دي نيجير" منذ قرن من الزمن.
معاهدة دولية تنضم بموجبها موريتانيا هندسيا.. لحوض النيجر.
لا يتعدى الأمر شق قنال صغير يشبة قنال كرمسين لمسافة نيف ومائة كيلومتر..
او وضع انابيب ومضخات كآفطوط الساحلي.
مقابل ان تقدم موريتانيا لمالي دعما في قطاع الكهرباء..
كأن تتنازل لها عن نسبة من حصتها غير المستخدمة من كهرباء مننتالي وفيلو
وكأن تخصص لها نسبة مدعومة من الغاز الذي يطل على المنطقة .
نريد معاهدة ثنائية مبدعة
لخلق منطقة ثراء مشترك.
على اساس معادلة الماء مقابل الطاقة.
الثراء المشترك هو أحسن دعامة للسلام في المنطقة.
الأمر ليس مستحيلا .
فمالي الآن في وضعية صعبة..
و تعيش في الظلمات..
ويقودها أغرار في منتهى الطفالة..
ومن الممكن مساعدتهم في ارساء سلام..
سلام مفيد للجميع.
أمن موريتانيا وازدهارها مرتبط كثيرا بأمن مالي..
وسياسة النأي بالنفس..
هروب من الاستحقاق..
ومن الحقيقة..
وهي سياسة مربكة جدا لنا وللعالم.
انظروا :
في الشهور الاخيرة انضم الى موريتانيا نصف مليون لاجئ من مالي ..
والعدد ذاهب الى الازدياد..
اذن : لا مفر من الاهتمام بالمسألة المالية..
التي هي مسألة مائية في الأصل ..
وفي الجوهر..
ولا حول ولا قوة الا بالله..