التعديل الوزاري المرتقب سيكون آخر فرصة للرئيس لكي يتدارك الموقف. و لا يجب أن يكتفي بتدوير الأشخاص أو تغيير المناصب، حسب منطق المحاصصة و التوازنات القبلية والجهوية، فالوضعية الحرجة للبلاد تستوجب رؤية إصلاحية جادة و برنامجا متماسكا وطموحا، يوكل تنفيذه إلى حكومة جديدة تشكل قطيعة مع حكومات "تصريف الأعمال" التي عرفناها حتى الآن، منذ انتخاب الرئيس محمد ولد الغزواني.
التحدي الذي ينتظر هذه الحكومة هو قيادة تغيير جذري، كما يتوقعه الموريتانيون، يبدأ بالحد الأدنى وهو طي صفحة الفساد والمفسدين. ذلك أن البلد بحاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى، إلى فريق يدرك تطلعات الموريتانيين ويسعى إلى تلبية انتظاراتهم المشروعة، قبل فوات الأوان. لا يخفى على أحد أن البلد بحاجة إلى تغيير يرسخ الديمقراطية والمواطنة ودولة المؤسسات وتكافؤ الفرص ويطلق العنان للمواهب والطاقات، خاصة الشبابية منها، والذي يجب أن يصب في صميم أولويات السياسات العمومية.
إذن، الشعب ينتظر من رئيس الجمهورية إرادة حقيقية و صرامة قوية، تتجسدان في إعادة التفكير في الهيكلة الحكومية، من خلال تقليص عدد الوزارات. في هذا السياق، لا بد من اختيار حكومة مصغرة، من أجل توفير الموارد وإعطاء معنى لسياسات الاستثمار العام. فالتغيير الحكومي أو التعديل الوزاري المرتقب، إذا كان فعلا يسعى إلى إحداث قفزة نوعية في مجال التنمية، فلابد أن يركز بشكل أساسي على الخدمات التي من المفترض أن تقدمها الدولة للمواطنين. فهنالك خمسة أو ستة قطاعات وزارية ذات أولوية، تتوافق في الواقع مع الخدمات الرئيسية، التي من شأنها أن تحسن من ظروف المواطنين، ينبغي الإبقاء عليها، مع الاحتفاظ بوزارات السيادة (الخارجية والداخلية والدفاع)، وتحويل الوزارات الأخرى إلى مديريات عامة، ملحقة بمكتب رئيس الوزراء. فالبلد لم يعد قادرا على تحمل هذا التضخم الإداري و كل هذه المؤسسات غير الضرورية التي لا تخدم أي غرض، كما أنها تنهك ميزانية الدولة وتستنزف مواردها، على حساب الأولويات التنموية، إضافة إلى تكريسها لبيروقراطية مقيتة جوهرها وأساسها خلق وتوزيع وظائف لضمان ولاء الوجهاء و القبائل والشرائح، على حساب مصلحة الوطن والمواطن.
عمليا، نتوقع من رئيس الجمهورية أن يمنح كل وزير جديد شهرًا واحدًا، لرسم خطة عمل مفصلة للسنوات الثلاث القادمة، تشخيص مشاكل قطاعه، وضع أهداف واقعية، على أساس سنوي، مع وضع آليات للمتابعة والتقييم، تفرض على كل وزير أن يقوم بتقديم خطة عمله والدفاع عنها، أمام الرئيس وطاقمه. هذه الشفافية ضرورية لتبرير صرف الموارد العمومية.
أخير وليس آخرا، رئيس الجمهورية مدعو لتوضيح "نواياه" بشكل لا لُبْس فيه، بما يضمن استعادة ثقة مواطنيه. وللحاق بالركب ولكي نقطع شوطا بعيدا، نحتاج إلى إعادة البلاد إلى مسار العمل. لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يفكر في الترشح لمأمورية ثانية وكسب ثقة الناخبين، دون أن يحقق هذه الإنجازات : اجتثاث الفساد وتحييد المفسدين وتحسين الحوكمة و عصرنة الإدارة و إصلاح العدالة و جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتبني استراتيجية مندمجة وطموحة للقضاء على الفقر والبطالة و حل المشاكل المتعلقة بالخدمات الأساسية، بدءا بالماء والكهرباء للجميع، خاصة في المدن الكبيرة كانواكشوط وانواذيبو، وبناء نظام صحي وتعليمي فعال و بنى تحتية داعمة للتنمية. ما دون ذلك لا يعتبر إنجازا يمكن تثمينه في الرئاسيات القادمة.
الموريتانيون لم يعد باستطاعتهم الانتظار طويلا…واهم من يعتقد أن أمامنا متسع من الوقت، فهامش التحرك أصبح ضيقا جدا. واهم كذلك من يراهن على ولاء النخب الفاسدة أو على قدرتها على قيادة الإصلاح، إذ في سلوكها اتجاه "ولي نعمتها"، الرئيس السابق، بعد خروجه من السلطة، أبلغ درس. واهم أيضا من يراهن على جهل و صبر الشعب، فلن يقبل الموريتانيون البقاء في هذه الظروف، إلى أجل غير مسمى. حذار من تداعيات اليأس والقنوط.
***الصورة لا علاقة لها بالموضوع. تم التقاطها، أول أمس، في نواحي شنقيط، في جو من الطمأنينة يساعد على التفكير و التجرد، بعيدا عن ضجيج العاصمة وتجاذباتها السياسية.