قاض يكتب :هل تضمن القوانين الموريتانية المعايير الدولية للمحاكمة العادلة؟

ثلاثاء, 22/09/2020 - 07:49

تجد المحاكمة العادلة سندها في المادة ٩٠ من الدستور بنصها على أن( لا يخضع القاضي إلا للقانون، وهو محمى في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه ) .

 

وقد استقر قضاء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان  على أن قواعد المحاكمة العادلة تكمن في ( عدالة الإجراءات و علنية الجلسات و الحق في منح مدة معقولة في نطاق الإجراءات ) .

 

أما مجلس الدولة الفرنسي ، فقد تصدى لهذا المفهوم منذو زمن طويل وحتى قبل دخول الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان حيز النفاذ  ، فاستعاض عن مفهوم le procès juste  بمفهوم آخر  هو procès équitable ، أي المحاكمة المنصفة .

 

استرشادا بالعمل الرائع لمنظمة العفو الدولية ( دليل المحاكمة العادلة ، ط ٢ ، ٢٠١٤ ) و اللجنة الدولية للحقوقيين ( دليل مراقبة المحاكمات في حالات الإجراءات الجنائية ، ٢٠١٩ ) ، سأحاول الإجابة على هذا السؤال في نقاط أربع  .

 

أولا : الحقوق ماقبل المحاكمة : و يقصد بها مرحلة البحث التمهيدي و التحقيق الإعدادي ، فبمجرد وضع المشتبه به قيد الحراسة النظرية تجب معاملته بما يوافق الكرامة الإنسانية( المادة ٥٨ إجراءات جنائية ) ، كما له الحق في الاتصال بالعالم الخارجي و الولوج أو المؤازرة بالمحامي ( المادة الرابعة من قانون مكافحة التعذيب ، المادة ٢٧ من قانون المحاماة الجديد ) . 

 

بمثول المشتبه به أمام قاضي التحقيق  تتعزز هذه الضمانات بعرضه أمام سلطة مكلفة بالتحقيق منفصلة عن السلطات المكلفة بتحريك الدعوى العمومية ،  فرغم كونه مرحلة تمهيدية أو تحضيرية فإن له دورا هاما في ترجيح البينات أو بتعبير المادة ١٧٦ ( يفحص قاضي التحقيق ما إذا كانت توجد دلائل ضد المتهم على ارتكابه جريمة من الجرائم التى يرتب عليها القانون عقوبات ) .

 

ثانيا : الحقوق أثناء المحاكمة : بداهة أن المحاكمة العادلة لا ترتبط بهذه المرحلة فقط ولكن تبقى المحاكمة أهم المراحل على الإطلاق .

 

و من أهم الضمانات تسريع إحالة المتهم على هيئة الحكم ، و مناقشة أدلة الاثبات و النفي أمام المحكمة فلا يمكن إدانة المتهم بدليل لم يناقش في الجلسة مع استثناءات قلية .

 

هذا بالاضافة إلى أن المتهم يظل بريئا حتى تثبت إدانته بحكم قضائي حائز على قوة الشيء المقضى به .

 

ثالثا : المحاكم الخاصة و المتخصصة و العسكرية : 

 

الحقوق الخاصة بالمحاكمة العادلة واجبة التطبيق في جميع المحاكم ، بمافي ذلك المحاكم الخاصة أو المتخصصة أو العسكرية .

 

وقد تأسست في الكثير من الدول محاكم خاصة أو استثنائية لمحاكمة حالات خاصة أو جرائم بعينها من قبيل الجرائم المرتكبة ضد أمن الدولة الداخلي و الخارجي أو الارهاب أو المخدرات ، وكثيرا ما تكون هذه الضمانات أقل بالمقارنة مع المحاكم العادية .

 

كما يجب أن تقتصر الولاية القضائية للمحاكم العسكرية على محاكمة منتسبي القوات المسلحة على ما يرتكبون من خروقات للنظام العسكري ، دون أن تمتد الى القضايا المنشورة أمام المحاكم العادية أو انتهاكات حقوق الإنسان أو الجرائم التى تقع تحت طائلة القانون الدولي .

 

رابعا : الحق في التعويض عن الخطأ في تطبيق العدالة : 

 

لايوجد نص في قوانينا الجنائية موضوعية كانت أو إجرائية يتيح اللجوء إلى هذا الحق .

 

ولكن يمكن الأستئناس بالمادة ٩٩  من قانون الألتزامات و العقود التى تنص على أن ( الدولة وكل المؤسسات العامة التي يمنحها القانون شخصية اعتبارية مسئولة عن الأضرار  الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن خطإ مستخدميها في نطاق عملهم ) .

 

وفي قرار لافت صرحت المحكمة الإدارية في الرباط باختصاصها بمقتضى حكم عارض بتاريخ 16/08/2000، تلاه حكم في الجوهر حمل الدولة المسؤولية نتيجة خطأ مرفقي في حق الإدارة وقضى بتعويضات مادية ومعنوية ، في القضية المعروفة إعلاميا ب ( قضية فندق أطلس آسني بمراكش ) .

أصبح من اللازم و الحتمي النص على هذا الحق تماشيا مع التزاماتنا الدولية و إنصافا  لكل المتضررين من الأخطاء القضائية ، وفي مقدمتهم القاضي محمد الأمين  ولد المختار المفصول  دون أن تتوفر له المعايير الدنيا  الوطنية و الدولية للمحاكمة العادلة .

تصفح أيضا...