الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى شرف هذا الجنس البشري بـأن خلق آدم بيمينه ونفخ فيه من روحه وأجسد له ملائكته وجعله خليفته في الأرض، وكرم ذريته بأنواع التكريم قال تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”، وقد جعل الله هذه الأرض مسرحا للصراع بين الحق والباطل وجعل فيها حزبين متنافسين صراعهما أبدي سرمدي حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، وشرف حزب الله الذين ارتضاهم بأن يكونوا من أوليائه وعباده بأن هداهم للإيمان ونور بصائرهم حتى عرفوا ما خلقوا من أجله ووفقهم لطاعته وعبادته وحبب إليهم الإيمان به وكره إليهم معصيته، وعرفهم بما يحتاجون إلى معرفته، فأهل الإيمان يعرفون الله جل جلاله، ويعلمون أنه هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزّاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعزّ، المذلّ، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، المغيث، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، القريب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدّم، المؤخّر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور، الحنان المنان، ويعرفون أنه هو الله الذي لا إله إلا هو، ويعرفون أنه سبحانه وتعالى أثنى على نفسه فقال: ” اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ “، وأنه أثنى على نفسه بقوله: وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد، ويعرفون نبيه الذي أرسل إليهم صلى الله عليه وسلم، ويعرفون أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب خير الخلائق جميعا، وسيد ولد آدم وخاتم رسل الله أرسله الله بالهدى ودين الحق، وشرفه وكرمه وعظمه وجعله أحب الخلق إليه، وأزكاهم عنده وأخشاهم له وفضله عليهم جميعا، ويعرفون أن الله سبحانه وتعالى زكاه وأثنى عليه فقال سبحانه وتعالى : ” إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا “
وأنه زكاه بقوله ” وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18″، ويعرفون أنه أثنى عليه ووعده فقال سبحانه وتعلى: ” وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى”، وأنه زكاه بقوله ” أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ”، وأنه عرفه فقال سبحانه وتعالى:” إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *”، وأنه بين فضله وفضل أمته في كتابه وبين ما لهم من الفضل عند الله سبحانه وتعالى، فقال تعالى ” مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”، ويعرفون أن هذا القرآن كلام الله جل جلاله هو أحدث الكتب بالله عهدا، وهو مصدق لما بين يديه من الحق، ومهيمن عليه وناسخ لكل ما سبق جمع الله فيه للخلائق كلما يحتاجون إليه فهو حبل الله المتين من تمسك به عصم، ومن نطق به صدق، ومن تركه من جبار قصم الله ظهره فيه خبر ما قبلكم، وفصل ما بينكم، وخبر ما بعدكم، هو الفصل ليس بالهزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد لا ريب فيه “ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين” بين الله سبحانه وتعالى ما أعد لأهله، وما آتاهم في هذا القرآن فقال ” إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً وأَنّ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً”، وبين أ
ثره على أهله فقال سبحانه وتعالى ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ”، وبين أثره على أعدائه المنكرين له فقال تعالى ” وَنُنـزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا”، وقال تعالى: ” قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ “
لهم الرجوع إلى هذا القرآن وتحكيمه في كل ما يحصل بينهم من الأمور فقال تعالى: ” وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا”، وقال ” فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”، ويعرفون أن الموت حق، وأن ما بعد الموت حق، فيعرفون أن الناس يبعثون من قبورهم إلى ربهم جل جلاله ليحاسبهم، ويجازيهم على أعمالهم، وأنه يأمر إسرافيل فينفخ في الصور فيخرج الناس من الأجداث إلى ربهم ينسلون، وحين إذ تبلى السرائر ويعرض الناس على الله جل جلاله” يَوْمَئِذٍۢ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ”، ويعرفون أنهم موقوفون على ربهم سبحانه وتعالى مردودون إليهم ” وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ قَالَ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ”، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال” “إنكم ملاقو الله مشاة حفاة عراة غرلا مشاة كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين”، ويعرفون أن الجنة حق وأن النار حق وأن الله سبحانه وتعالى تعهد للنار بملئها، وتعهد للجنة بأهلها، وأنه جعل الجنة دار نعيم لأوليائه، ومن أطاعه في هذه الدار ونجح في هذا الامتحان، وجعل النار دار عقوبة لأعدائه، ومن خسر في هذا الامتحان، وأنه سبحانه وتعالى هو الحكم العدل لا يظلم الناس شيئا لكن الناس أنفسهم يظلمون.
يعرفون أن القدر حق وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه رفعت الأقلام وجفت الصحف، وأن كل مصيبة تصيب أحدا في هذه الدنيا قد قدرها الله وقد كتبها “ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم “، ويعلمون كذلك أن ملائكة الله قد خلهم الله لعبادته ومحضهم لطاعته فهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وقد شرفهم الله سبحانه وتعالى وكرمهم بهذه العبادة فقال تعالى: ” وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يسبحون الليل والنهار لا يفترون” ويعرفون أن رسل الله من البشر قد اصطفاهم الله وأرسلهم برسالاته ووحيه وأن الكتب التي جاءوا بها من عند الله حق وأنها من كلام الله جل جلاله ويؤمنون بجميع الرسل لا يفرقون بين أحد من رسله، ويؤمنون بأن الرسالة قد ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لا نبي بعده كل هذا إنما هو نور قذفه الله في قلوبهم، وإيمان خصهم الله به من بين الخلائق وقد قال سبحانه وتعالى: ” مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور”
أن هذه الدار إن ماهي معبر إلى الدار الآخرة وأن الانسان أتيحت له فرصة فيها ليعب الله جل جلاله وقد خلق للعبادة “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” وليقيم العدل والقسط في الأرض، ذلك حقيقة الاستحلاف ” إني جاعل في الأرض خليف”، ويعلمون أن مدة بقائهم في هذه الدار محصورة يسيرة وأنهم لم يتركوا فيها سدى ولم يهملوا فعلى كل واحد منكم 21 من الملائكة الكرام يحصون عليه أعماله ويرفعون عنه التقارير إلى ربه وهو أعلم سبحانه وتعالى لا يزيده شيء من ذلك علما فهو المطلع على خفايا الأسرار جل جلاله لا تحجب عنه سماء سماءا ولا أرض أرضا ولا جبل ما في وعره ولا بحر ما في قعره وهو أقرب إلى كل واحد منا من حبل الوريد، وهو يعلم السر وأخفى.
هم يبادرون للطاعات قبل الممات ويعلمون أن الانسان إذا خرج من هذه الدار لا يمكن أن يجد إلا ما عمل ” يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ” يعلمون أن الله سبحانه وتعالى هداهم لما يرتضيه من الأخلاق والقيم وشرفهم فميزهم عن البهائم، والأراذل فهداهم للأخلاق الكريمة والقيم الرفيعة ولمقتضيات العقول، ومقتضيات الفطرة ففطرهم على أشرف الأعمال، وأشرف الأخلاق وأشرف الهيئات، فهم ينظرون إلى البهائم فيحمدون نعمة الله عليهم يرون البهائم تتهارج ويرون الحمر تمشي وليس عليها لباس ولا ستر وليس لديها عقل يمنعها من الوقوع في شيء وليس لديها خلق ويعلمون أن الله خصهم بهذا العقل وبهذه الأخلاق وشرفهم على سائر هذه الحيوانات وميزهم عنها.
المصدر : موقع الإصلاح