الطبع للشمس صوت، بل أصوات كثيرة، فهي موقد ضخم جدا يغلي بما فيه من مادة أكثر وأشد مما نعرف من أي غليان على الأرض.
إنها كالمرجل الذي يهدر هدرا، يصمّ الإنسان لو سمعه من مكان قريب، ولن يفعل لأنه لا يستطيع الوصول إليها بسبب درجة حرارتها الهائلة التي تذيب كل المواد.
ولكننا بالطبع لا نستطيع سماعها بسبب الفراغ الذي يحول بيننا وبين انتقال صوتها إلينا، إذ الموجات الصوتية بحاجة إلى وسط مادي ناقل ينقلها، وذلك بعد أن تحدث فيه اهتزازات طولية فيحملها على متنه حتى تبلغ طبلات آذاننا فنسمعها.
وبالرغم من ذلك، فقد استطعنا سماع صوت الشمس، بل وتسجيله أيضا، فكيف أمكن فعل ذلك؟ وهل سبق لك أن سمعت صوت الشمس؟
موجات الشمس
تتكون الشمس من مجموعة طبقات داخلية وخارجية، أولها اللب في مركزها، حيث درجة الحرارة هناك بين 15-20 مليون درجة مئوية، فهو المفاعل النووي الهيدروجيني الذي يرسل طاقته خارجا عبر طبقة الإشعاع الشفافة لتصل إلى طبقة الحمل التي تغلي بالمادة غليا حتى ترفعها إلى السطح حيث الطبقة الضوئية التي نراها صفراء اللون بسبب درجة حرارتها البالغة ستة آلاف درجة.
وهذه الطبقة هي الأقل حرارة من بين جميع الطبقات الأخرى التي تحتها أو فوقها. ثم يأتي الغلاف الجوي الشمسي بالطبقة اللونية (كروموسفير) بحرارة تبلغ عشرة آلاف درجة، ثم الإكليل الشمسي (كورونا) الذي ترتفع درجة حرارته إلى قرابة مليوني درجة مئوية أو يزيد.
يتميز سطح الشمس، أو الطبقة الضوئية، بوفرة الحبيبات الشمسية عليه، وهذه الحبيبات هي قمم غليان بلازما الشمس، حيث يبلغ متوسط قطر الواحدة منها 1500 كيلومتر لتعيش كل واحدة منها فترة تتراوح بين ثمان وعشرين دقيقة قبل أن تتلاشى.
وبسبب حركتها التقلبية، فإنها تصدر موجات صوتية مختلفة بحسب حجم كل منها، وكذا تفعل كل من الرياح الشمسية التي تعصف في أعالي الغلاف الجوي والـتأججات السطحية والكتل الإكليلية المقذوفة وغيرها من مظاهر النشاط الشمسي التي تؤدي بالغلاف الجوي الشمسي أن يضطرب فيصدر ضجيجا صوتيا هائلا.
موجات متنوعة
وتتنوع أطوال الموجات الصوتية الصادرة بحسب مصدرها وموقعها، لكننا وبسبب الفراغ بيننا وبين الشمس لا نسمع تلك الأصوات، ومع ذلك فإن ثمة موجات صوتية كثيرة تصدر بأطوال موجية لا تقع ضمن نطاق سمع الأذن البشرية الذي يتراوح بين (20-20.000) هيرتز، بل بالأطوال الموجية الطويلة، وهي أمواج الراديو.
ولأن تعريف الصوت هو اضطراب في الوسط الناقل، وليس في الهواء فقط، فإنه قد وجد أن الشمس، وبسبب الاضطرابات الدائمة في طبقة الحمل أسفل سطحها، تصدر موجات تلف كامل الشمس من الداخل خلال خمس دقائق فقط.
مما يعني أن تردد هذه الموجة هو 0.0033 هيرتز، وهي أقل بكثير من أن نسمعها بآذاننا، لكنها قابلة أن تلتقط بالراديو وأن تنتقل في الفراغ على شكل موجة كهرومغناطيسية، إلى جانب بقية الأمواج الصادرة عن الغلاف الجوي وأنشطته المختلفة.
فراغ الفضاء
في المفهوم العلمي البحت، لا يوجد فراغ في الفضاء بين الأرض والشمس، بل هناك غلاف جوي شمسي يمتد لمليارات الكيلومترات، وهناك الغلاف الجوي الأرضي الممتد إلى ما وراء القمر، وهناك الأشعة الكونية التي تأتي من جميع الاتجاهات.
ويبلغ متوسط كثافة كل هذا الغاز 1-3 جزيئات لكل سنتيمتر مكعب فقط، وهي كثافة ضئيلة جدا، بل يمكن اعتبارها صفرا أو فراغا محضا عند مقارنتها بكثافة غلاف الأرض الجوي قرب سطح الأرض والتي تبلغ 7x10^19 (27 ملايين تريليون) جزيئا لكل سنتيمتر مكعب. وبذلك فلا يمكن للفضاء أن ينقل الموجات الصوتية القادمة من خارج الأرض.
صوت الشمس
عمد التلسكوب الفضائي الشمسي (سوهو) -وهو مشروع مشترك منذ عام 1995 بين وكالتي الفضاء الأميركية (ناسا) والأوروبية (إيسا)- ومن قبله مجموعة تلسكوبات راديوية أرضية إلى تسجيل جميع الأطوال الموجية القادمة من الشمس من خلال المستقبلات الموجودة على متنه.
وهي موجات طويلة جدا (بضع مئات من الكيلومترات) ثم قام العلماء بتحويلها إلى موجات مسموعة تلائم سمع الإنسان. لذا أصبح من الممكن لنا أن نسمع صوت الشمس وحتى أصوات النجوم والانفجارات النجمية بسبب هذه التقنية الراديوية العظيمة.
المصدر : الجزيرة نت