الثعابين بأجسادها الملساء وتنوع ألوانها أذهلت البشر منذ وقت طويل، لكننا لا نعرف إلا القليل عن الماضي التطوري لهذه السحالي العديمة الأرجل، بسبب ندرة الحفريات التي خلفها أسلاف الثعابين التي سكنت الأرض مع الديناصورات.
نجاش ذات الأرجل
وكما تقول الكاتبة بيكي فيريرا في تقريرها الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 الجاري، فإن هذا هو السبب وراء اعتبار محبي الثعابين لحفريات الثعابين التي تم التنقيب عنها مؤخرا في الأرجنتين أمرا مهما، حيث يبلغ عمر هذه الحفريات المعقدة -التي تكون معظمها من الجماجم- ما يقرب من مائة مليون عام.
كما أنها تنتمي إلى مجموعة الثعابين المنقرضة "نجاش" التي ما زالت تحتفظ بأرجلها الخلفية. وتشير الأحافير إلى أن الثعابين فقدت أرجلها الأمامية في وقت أبكر بكثير مما كان يعتقد في السابق، لكنها احتفظت بأرجلها الخلفية لملايين السنين.
وسوف يساعد هذا الاكتشاف أيضا على حل الألغاز حول الفترة التي بدأت فيها الثعابين بالتحول إلى شكلها الحديث.
أكثر العينات إثارة
أشارت الكاتبة إلى أن فرناندو جاربيروجليو الذي أشرف على البحث، اكتشف أكثر عينات الجمجمة الجديدة إثارة في عام 2013 عندما كان طالبا جامعيا.
أورد جاربيروجليو الذي يسعى للحصول على درجة الدكتوراه: "أصبحت هذه الجمجمة الآن أكثر جمجمة مكتملة لثعبان عائد إلى الحقبة الوسطى شهرة، كما أنها تحتفظ بالبيانات الرئيسية حول بنية الثعابين القديمة".
وقد مكنت حالة الحفظ الاستثنائية التي وجدت فيها هذه الحفريات جاربيروجليو وزملاءه من دراسة الألغاز القديمة حول تطور الثعابين، على غرار تسلسل الأحداث التي أدت إلى عدم امتلاك أجسامها أطرافا.
وقد فحص الفريق الحفريات باستخدام المسح المقطعي الدقيق، وهي تقنية تصوير تسمح بدراسة تفاصيل دقيقة من الحفريات دون إتلافها.
وأضافت الكاتبة أن العلماء لم يعثروا على حفريات لأسلاف عائلة الأفعى ذات الأرجل الأربعة، على الرغم من أنهم على يقين من وجودها.
وتشير الدراسة الجديدة إلى أن من المحتمل أن تكون تلك الثعابين الأولية الغامضة قد فقدت أطرافها في وقت مبكر من عملية تطور الثعابين، قبل 170 مليون سنة على الأقل، لكن أرجل الظهر علقت لعشرات الملايين من السنين.
يعني ذلك أن الثعابين ذات الأرجل الخلفية -مثل مجموعة "نجاش"- لم تمر بمرحلة تطورية قصيرة العمر. بدلا من ذلك، كانت الثعابين التي احتفظت بساقين بمثابة هيكل جسدي ناجح كاف لدهور، إلى أن تحولت معظم الثعابين إلى ثعابين دون أطراف خلال النصف الأخير من العصر الطباشيري.
الجماجم تحل اللغز
وبحسب العالم متخصص في الحفريات الفقارية بجامعة ألبرتا والمشارك في تأليف هذه الدراسة ميخائيل كالدويل، فإن "دراسة الثعابين قديمة حقا، ولهذا ربما لا توجد أي أفاعٍ ذات أربعة أرجل مثل كل السحالي الأخرى".
وأضاف كالدويل "من المحتمل أن الأفاعي مثلت أول مجموعات السحالي التي خاضت تجربة عدم امتلاك أطراف، ولكن ما يثير الاهتمام حقا هو أنها كانت تظهر أيضا بوضوح تام خصائص جماجمها، وهي خاصية تميزها".
ووفقا للدراسة الجديدة، يمكن لجمجمة ثلاثية الأبعاد أن تحل الجدل القائم بين العلماء حول ميزة الهيكل العظمي للثعابين في العصور الأولى.
حيث تفتقر الثعابين في الوقت الحالي إلى العظم الوجني، وهو ما يشبه عظام الخد. ولكن، لم يتضح ما إذا كانت الثعابين القديمة تمتلك هذه الميزة القحفية. ويوحي هذا الاكتشاف بأنه على عكس الأفواه الأصغر التي تتميز بها الثعابين الحديثة، فإن أسلافها البدائية امتلكت أفواها أكبر.
من جهته، قال جاربيروجليو إن "غياب العظم الوجني لدى الثعابين يعد بمثابة سمة مشتركة لدى جميع الثعابين والحفريات، وتوضح هذه العينة الجديدة الثلاثية الأبعاد لفصيلة نجاش أن العظام الوجنية كانت موجودة لدى الثعابين القديمة واختفت لدى الأفاعي الحديثة".
المصدر : الجزيرة نت