ظلت فرنسا لصيقة بقيم الحرية والمساواة والتحرر ، ولعل إصدارها قوانين مجرمة للاسترقاق أبرز مثال بداية من مرسوم 1848 الذي يلغي الرق في جميع المستعمرات ، ثم مرسوم 1889 القاضي بعدم إعادة العبيد الفارين لأسيادهم ، و مرسوم 1903 الرافض للممارسات المناهضة لروح القوانين ومبادئ الثورة الفرنسية ، ومرسوم 1905 الذي يفرض إنهاء الرق، واتفاقية 1919 القاضية مادتها 11 بالإلغاء النهائي للعبودية وأشكالها ، ومرسوم 1924 المجرم لاستغلال وتقييد حرية الأفراد من خلال الأعراف التقليدية للاسترقاق ، و اتفاقية جنيف 1926 التي تمنع العمل الإجباري ، واتفاقية 1956 التي جرمت الممارسات المشابهة للعبودية .
إلا أن الممارسة الفرنسية بعيدة عن تجسيد عقيدتها الحقوقية في موريتانيا ، فقد رسخت الاستعباد ولم تسعى طوال هيمنتها على موريتانيا بأي جهد عملي لإيقاف نزيف العبودية ضد الحراطين ، ، رغم إطلاعها على وضعهم السيئ في رحلاتها الاستكشافية ، إلا أنها لم تتعب نفسها في نجدة آبائنا وأمهاتنا من الحراطين ، أو إيعار صراخهم وأنينهم ، بل إن فرنسا رعت الاستعباد في موريتانيا وغضت الطرف عن الممارسات المنتهكة لحقوق الحراطين والمنافية للمراسيم والاتفاقيات التي أصدرتها، فوفرت بذلك الجو المناسب لترسيخ استبعاد الحراطين وتمدده ، فأغمضت أعينها عن المتاجرة بأمهاتنا وآبائنا ، ورأو في العبيد موردا من الموارد الضريبية ، حيث الضريبة على العبد تزيد على ضريبة الشاة خمسة أضعاف بل وأكثر فمقابل كل عبد يملكه سيد يدفع لفرنسا 12.5 فرنك فرنسي ، فتخلت فرنسا بهذه العنهجية عن القيم النظرية التي تقوم عليها كالحرية والمساواة والعدالة لصالح تفشي الاستعباد في حق الحراطين وباقي المستضعفين في أرض موريتانيا ، مناقضة المنظومة القانونية التشريعية إلى درجة نقض الأحكام القضائية التي منحت الحرية للأرقاء كما فعل لاهور بتكانت ، لقد كرست فرنسا نهجها الاستعماري بموريتانيا إتجاه الحراطين على مصالحها اللحظية والذاتية فتعامت بإصرار مفضوح عن وضعهم المفجع ، ورأت في تحرير العبيد عائقا في وجه الاستقرار العام للبدو والرحل .
فهكذا يكشف التاريخ الاستعماري في موريتانيا أن فرنسا سعت وبقصد متعمد استمرار العبودية في موريتانيا ، وعدم تحرير العبيد حتى يبقى مشكل الرق والاسترقاق لغما اجتماعيا قابلا للانفجار وقنبلة موقوتة تستخدمها وقتما شاءت وأنى أرادت ، مؤكدة المؤشرات والدلائل وبما لا يدع مجالا للشك أن فرنسا لم تعزها القدرة ولا الوسيلة لتحرير العبيد في موريتانيا خلال مرحلتها الاستعمارية بل كانت القدرات المادية والمعنوية لتحرير العبيد بقوة السلطة والقانون تملكها ، ولكنها أثارت إبقاء جرثومة الاستعباد تنخر في جسم المجتمع الموريتاني كأزمة معضلة ومعرقلة للتنمية بالبلد ، غير مكترثة لأناة الآلام والمعاناة التي تطحن العبيد جراء استمرار العبودية .
إننا نحن أبناء الحراطين ضحايا العبودية و بعد مرور 58 سنة على رحيل فرنسا من موريتانيا نرى أنه وفاء للآباء نطالب من الدولة الفرنسية الاعتذار لنا كحراطين بموريتانيا وللعبيد قاطبة بوطننا فهي من تتحمل الوزر الأكبر مما نحن فيه .