واكبت الحملة الاستعمارية الغربية على بلاد الإسلام موجة هجوم فكري وثقافي، قادها مستشرقون يحملون تراث كراهية حروب القرون الوسطى، والتارات التاريخية ما بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، وهي تارات ما تزال نيرانها مشتعلة على أكثر من صعيد.
لقد كان لبعض المستشرقين آراء معروفة حول القرآن والسنة والسيرة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، ولقد قام العلماء والمفكرون من مختلف المشارب الفكرية ومن الإسلامية خصوصا بدحض هذه الشبهات وردها رد علميا عقليا يستجمع شروط الرد العلمي، وذلك كله مدون في مظانه.
الجديد في الأمر أن بعض فسقة البدو ممن رق دينه وعظم جهله، وأغرته الشهرة ولو بالسوء، اطلع على بعض هذه الشبهات فصار يجترها ويرددها ترديد الببغاء، بأسلوب سوقي، عديم القيمة العلمية والفنية، مع السرقة والتدليس، فيأتي أحدهم بفكرة المستشرق أو المستغرب، وربما استدل بأدلته دون أن يشير إلى ذلك أدنى إشارة، وكأن الفكرة فكرته، وكأنما ينشر من فقرات نتيجة بحث وتنقيب في كتب التراث، وربما استدل بالوثيقة دون أن يحسن قراءتها، فيجمعون بين الإساءة للدين وتسفيه المجتمع وخيانة العلم كي لا يسلموا من جوالب المذبة جميعا!.
حقيقة هؤلاء أنه مستلبون غير أنهم جبناء مضطربون يخفون ما لا يبدون، يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى، كأنهم يسبرون المتاح!
لو أخذنا قصة أصحاب الفيل لكانت أسطع دليل على هذا الجبن والاضطراب والجهل.
يقول مثير هذه القصة إنه لا ينكر ما ورد في القرآن، غير أن القرآن لم يذكر أبرهة ولا قصه هدم الكعبة، ويقول إن الروايات بشأن هذا خرافة وأساطير. فلنصبرعلى تحليل المسألة قليلا.
هذه المسألة مكونة من أربع مكونات:
- جيش من أفراد عندهم فيل
- كيد ما قد كادوه
- مكان ما مقصود بهذا الكيد
- مصير مخيف غريب واجهه الجيش وهو أنه أرسلت عليهم طير أبابيل ترمي عليهم حجارة من سجيل فجعلتهم كعصف مأكول.
هذه هي مكونات القصة ولا زائد عليها، فما الذي يمكن أن يتوجه إليه الاستغراب ويوصف بالخرافة؟
أ- أن يوجد جيش يقوده شخص يسمى أبرهة أو أي شخص وأن يدربوا فيلا أو فيلة أمر ممكن لا غرابة فيه، ولا يمكن أن يكون محل الخرافة.
ب- أن يكون لهم هدف ما قد يكون هدم مبنى أو بناؤه أو سيطرة على بلاد ما .... فليس هذا مما يخرج عن المعتاد ولا يوصف بالخرافة.
ج- أن يقصد بهذا الكيد بلاد ما قد تكون الشام أو الحجاز أو بلاد السند أو جبال الألب أو غيرها، فهذه أيضا ليس مما يستدعي الاستغراب والوصف بالخرافة
د- المصير المخيف الغريب وهو وحده الذي يمكن أن يوصف بالخرافة، لغرابته وخروجه عن المألوف، فمن يصدق إمكانية هذا المصير لأنه ذكر في القرآن بأي وجه علمي وعقلي يمكن أن ينكر أن اسم قائد هذا الجيش هو أبرهة وأنه كان يقصد هدم الكعبة وصرف الناس عنها، وقد ذكر ذلك المؤرخون عامة؟.
السر في هذا الإنكار أن وقوع هذه الحادثة موافقا لميلاد النبي صلى الله عليه وسلم هو إرهاص عظيم من إرهاصات نبوته صلى الله عليه وسلم وذلك ما لا يريد المستشرقون ولا تلامذتهم ثبوته.
من أراد أن يدرك أن مثل هؤلاء ببغاوات لا يقرأون ولا يفهمون، فلينظر إلى من أثار هذه القضية يكذب قصة شاهدها في البخاري وأبي داوود والبيهقي وابن حبان فضلا عن عموم كتب السيرة والتاريخ الإسلامي ثم يستشهد بوثيقة تتحدث عن سنة 558 أي قبل التاريخ الذي ذكر علماء المسلمين ب 12 سنة فلو صدقنا تلك الوثيقة، فلا تعارض بينها وبين ما هو في السيرة، فإن أبرهة قام بحملات على الجزيرة وسيطر على اليمن أو معظمه، وسلم في كل ذلك، إلى إبريل من سنة 570 حيث كان طعاما للطير الأبابيل، حسب الروايات التي تستعصي على التكذيب.
ولأن فسقة البدو لا يأتون بعلم جديد ولا فكر وجيه، غير ترديد إفك أعداء الأمة، فإن مواجهتهم مسؤولية مؤسسات الدولة كمواجهة التطرف فهما وجهان لعملة واحدة، فإن في ترك الحبل لهم على الغارب مفاسد عظيمة، ليس أقلها إحياء التطرف، وفتح الطريق أمام المستغلين والمزايدين، ولا يناقض هذا الحرية فلكل أمة حدود، ولكل مجتمع قانون وقيود.