تفرق الشريعة الإسلامية بين كتابة العقد التي هي تحريره بما يتضمنه من بنود وشروط وآجال، وبين توثيقه الذي هو إشهاد عليه، لذلك يقول القرطبي في تفسير آية الدين: (هي أمر بالكتابة والإشهاد ؛ لأن الكتابة بغير شهود لا تكون حجة) ، وقد اشترطت الشريعة في الكاتب أن يكون مختصا في العقود وأحكامها، عارفا بالنزاعات وأقضيتها، قال القرطبي: (كما علمه الله كتابته فخصه بعلم ذلك، وحرمه كثيرا من خلقه)، وبديهي أن المحامي –في زماننا- هو المختص في النظام القانوني للعقود، العارف بالنزاعات وأقضيتها.
غير أن الكتابة وحدها –على أهميتها- لن تكون كافية لإثبات الحق اثباتا قاطعا، كالإثبات الذي تمنحه الورقة الرسمية التي هي حجة قاطعة، لذلك كان من الضروري لحفظ الحقوق وصيانتها أن تشفع هذه الكتابة بتوثيق حاسم يقطع طريق المناكرة، وهذا التوثيق يكون بالإشهاد على العقد (وأستشهدوا).
وقد عبر ابن كثير عن اعتبار الإشهاد توثيقا للعقود ب (زيادة التوثقة)، فقال عند قوله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم): (أمر بالاستشهاد مع الكتابة لزيادة التوثقة)، ومن هنا جاءت تسمية بعض تشريعات الدول الإسلامية الموثقين بعدول الإشهاد ، لأن مهمتهم هي الشهادة على العقد.
غير أن الشريعة الإسلامية تشترط شهادة شاهدين (وأستشهدوا شهيدين من رجالكم)، فلا يكفي شاهد واحد إلا إذا عزز بيمين في الأموال وما يؤول إليها عند الماليكة، لذلك يحقق إسناد تحرير العقود للمحامين قبل توثيقها فائدة أخرى هي مطابقة نظام التوثيق للشريعة الإسلامية، لأن المحامي سيكون شاهدا ثانيا على العقد.
المحامي محمد المامي مولاي اعلي