نواكشوط-الجزيرة نت
وتتضمن تلك التعديلات التي رفضها مجلس الشيوخ (الغرفة العليا في البرلمان الموريتاني) تغيير رموز الدولة مثل العلم، والنشيد القومي، وإلغاء مجلس الشيوخ، ومحكمة العدل السامية، وإنشاء مجالس جهوية للتنمية.
وخلال الأسابيع الثلاثة التي سبقت رفض مجلس الشيوخ كثفت الأغلبية الحاكمة والمسؤولون في الحكومة حملاتهم الدعائية من خلال مهرجانات شعبية قدموا فيها تلك التعديلات بوصفها "تكريسا للديمقراطية، وتطويرا لأدوات الحكم، وضرورة لتقريب الخدمات من المواطنين".
ولم تخل تلك الحملات من إشارات متكررة ورد بعضها على لسان رئيس الوزراء يحيى ولد حدمين الذي دعا إلى "ضرورة الاحتفاظ بالنظام الحاكم، ومنحه فرصة لمواصلة ما تعتبره الأغلبية إنجازات تنموية عرفتها البلاد في السنوات الماضية".
أما المعارضة الرافضة للتعديلات الدستورية فاعتبرت تلك الدعوات "بداية لتجاوزات قد تطال المأمورية الثالثة، ويجب الوقوف ضدها قبل فوات الأوان"، وهو ما دفعها إلى التكتل في تحالف سياسي موسع ضم كلا من كتلة المنتدى الوطني وحزب التكتل وحركتي إيرا المناهضة للعبودية، والقوى الديمقراطية للتغيير الزنجية.
ويهدف هذا التكتل إلى مقاطعة الاستفتاء الشعبي على التعديلات في 5 أغسطس/آب المقبل، والتعبئة ضد المشاركة فيه.
وحذر قادة المعارضة في مهرجانات شعبية بالعاصمة نواكشوط، ونواذيبو شمالي البلاد، وكيفة في الوسط من خطورة هذه التعديلات، ودعوا مناصريهم إلى عدم المشاركة في المسار برمته.
ووصفوا التعديلات بأنها "بداية لصراع حقيقي ورهان حقيقي على الديمقراطية الموريتانية"، كما اتهموا السلطة الحاكمة بالضغط على الموظفين والوكلاء العموميين من أجل التسجيل على اللوائح الانتخابية، والتصويت لصالح هذه التعديلات الدستورية.
وترى القيادية في حزب تكتل القوى الديمقراطية منى بنت الدي أن هذا الخيار يأتي تماشيا مع مواد الدستور الموريتاني الذي "حدد بوضوح في المادة الـ99 طريقة تعديل الدستور وجعل قبول ثلثي البرلمان له هو طريقها الوحيد، وقد أسقط البرلمان هذه التعديلات".
واعتبرت بنت الدي أن التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء ورئيس الحزب الحاكم "تفضح نية النظام في جعل هذه التعديلات مدخلا لتعديلات لاحقة تمس من المأموريات التي يحددها الدستور باثنتين".
وأضافت أنه "من غير المعقول أن تشارك أحزاب ديمقراطية في "هذا الاستفتاء المسرحي الاستعراضي الذي عزف الموريتانيون عن التسجيل في لوائحه"، في إشارة إلى تمديد التسجيل على اللوائح الانتخابية أربع مرات.
رأي الأغلبية
على الجانب الآخر، تؤكد الأغلبية على شرعية الاستفتاء الذي انطلق من المادة الـ38 من الدستور التي تمنح الرئيس حق استفتاء الشعب في أي قضية وطنية، وترى في طرح المعارضة تجاوزا للإرادة الشعبية التي ينبغي أن تكون المصدر لأي سلطة ديمقراطية.
من جهته، يقول القيادي في الأغلبية الحاكمة صالح ولد دهماش إنهم ظلوا حريصين على إشراك المعارضة في رسم المسار السياسي للبلاد، ودعوها إلى الحوار مرات عديدة، غير أنهم اصطدموا بـ"اشتراطات ومطالب وإملاءات ليست المعارضة في موقف يخولها طرحها".
ويبدي ولد دهماش ثقة الأغلبية في نجاح الاستفتاء الشعبي، مشيرا إلى أن الاستحقاقات الانتخابية الماضية البرلمانية والرئاسية الأخيرة التي قاطعتها أحزاب المعارضة الرافضة للتعديلات الدستورية "أثبتت شعبية الأغلبية الحاكمة، وجعلت من المعارضة أقلية قليلة".
توقعات
أما الكاتب الصحفي سيدي محمد ولد بلعمش فيقول إنه رغم المبررات التي قدمت والحملات التي أطلقت ضد التعديلات الدستورية فإن المعارضة تفوت على نفسها فرصة محتملة في إسقاط التعديلات مرة أخرى، ولكن شعبيا هذه المرة.
وتوقع أن تتجه العلاقات بين طرفي المشهد السياسي إلى مزيد من التعقيد سواء حصلت المفاجئة مرة أخرى بإسقاط هذه التعديلات أم أقرت كما يرجح أغلبية المتابعين للشأن العام.
ورجح أن "تشفع هذه التعديلات لاحقا بتعديلات أخرى قد تتعلق بالمأموريات الرئاسية لتمنح الرئيس فرصة الترشح في الانتخابات المقررة عام 2019".
المصدر : الجزيرة