تزامنا مع الذكرى الإحدى عشر بعد المئة لمعركة الرشيد نظمت الرابطة الوطنية لتخليد بطولات المقاومة الوطنية أمسية ثقافية مساء الجمعة 16 اغسطس 2019 بمباني المدرسة 1 بالرشيد بحضور رئيس مركز الرشيد الإداري و قائدي فرقتي الدرك و الحرس الوطني بالرشيد و المساعد الأول للعمدة و العديد من رؤساء المصالح و رؤساء فروع الرابطة على مستوى تجكجة و النيملان و عدة شخصيات ثقافية و علمية من داخل الولاية و خارجها و جم غفير من ساكنة مدينة الرشيد .
بدأت الأمسية بآيات من الذكر الحكيم تلاها القارئ محمد الأمين حمبل تم بعدها عرض المسطرة من قبل مسؤول النشاط الثقافي في فرع الرابطة مبينا أن هذه الأمسية تتكون من جزأين: الجزء الأول تأبين لرئيس فرع الرابطة الوطنية لتخليد بطولات المقاومة الوطنية بالرشيد المفتش أحمد ابي ماق و الجزء الثاتي محاضرة موضوعها تأسيس مدينة الرشيد و بدء المقاومة يلقيها الدكتور الداي محمد ابوه سنعرض لكل جزء بشئء من التفصيل .
بدأ الجزء الأول من هذه الأمسية بكلمة ترحيبية ألقاها نائب رئيس فرع الرابطة الوطنية لتخليد بطولات المقاومة الوطنية على مستوى فرع الرشيد الاستاذ محمد عبد الله ممودي الحامد شكر من خلالها المدعوين على تلبية الدعوة و الحضور لمشاركتنا هذه الأمسية و ذكر من خلالها بالدور الرائد الذي كان يلعبه المفتش المغفور له بإذن الله أحمد ابي ماق في إثراء الساحة الثقافية في الرشيد و ما كان يوليه من اهتمام للبحث عن تاريخ الرشيد و تاريخ موريتانيا عموما و ما خلفه من موروث ورقي و رقمي تجب المحافظة عليه و في ختام كلمته عدد خصال الفقيد التي كان يتصف بها و دعا له بالرحمة و الغفران و لذويه بالصبر و السلوان. تلتها ورقة تعريفية عن حياة المفتش أحمد ماق قدمها عبد الرحمن محمد تضمنت حياة المرحوم ( تعليمه، مساره المهني ، اهتماماته و شمائله) و بعد ذلك ألقى رئيس فرع النيملان الاستاذ حمد ولد اعمر كلمة باسم رئيس الرابطة الوطنية لتخليد بطولات المقاومة الوطنية الدكتور سعد بوه ولد المصطفى رفع من خلالها تعازيهم إلى أسرة الفقيد و تلامذته و محبيه واصفا له بالرجل الاستثناء فوق القاعدة و القادة و المسكون بالوطن ، الشامخ شموخ الجبال الراسيات مخاطبا لروحه أنت هنا معنا و بجانبنا أمامنا وراءنا فما بدلت تبديلا سلام عليك يوم ولدت و يوم رحلت و يوم يبقى ذكرك حيا مطمئنا راضيا مرضيا مع الصديقين و الشهداء و الصالحين مضيفا هكذا يرحل الخالدون . و بعد ذلك جاءت المراثي تترى من أفواه الشعراء و الأدباء مشنفة أسماء الحاضرين بما جادت به قرائحهم من شعر حزين رصين جميل في هذه الأمسية و كانت المراثي مع الشعراء و الأدياء التالية أسماؤهم سيد امحمد الكنتي العباس ، محمد ابراهيم الداه ،المختار اسليمان ،محمد امان : محمد يسلم البهجه ،دمد بتار ،النعمه افلي ، ادوم افلي و سيد احمد احمد لكبير و ليست القصائد الشعرية فحسب بل كانت ثمة مشاركات نثرية منها كلمة أستاذ الفقيد سيد عمار النمين التي كان عنوانها "شهادة في حق المرحوم".و ركزت كل هذه المشاركات على ذكر شمائل المرحوم و دماثة أخلاقه و الدعاء له و الدعوة للتمسك بنهجه في البحث .
أما الجزء الثاني من هذه الأمسية فكان محاضرة قيمة ألقاها الدكتور الداي ايوه و هذا نصها :
تأسيس مدينة الرشيد على يد امينوه[1796م] وحتى بدء المقاومة الوطنية من قصر الرشيد" وملابستها سنة (1905مـ) (مع محمد المختار بن الحاد).
قسمت هذا العنوان إلى محورين:
الأول: تأسيس مدينة الرشيد على يد امينوه [1796م].
الثاني: بدء المقاومة الوطنية من قصر الرشيد" وملابستها سنة (1905مـ) (مع محمد المختار بن الحامد).
أولا ـ تأسيس مدينة الرشيد:
من المفيد هنا أن أشير إلى الأسباب والدواعي التي ساعدت على التفكير في الاستقرار في الرشيد..
لقد كان سكان الرشيد في الماضي يمارسون حرفة التنمية بين أجزاء تكانت المختلفة من الشرق (الحصيرة) في أول فصل الخريف إلى الوسط (اظهر تكانت) (أفام لُوديات ـ الخط ـ اعوينات اسبع ـ المينان) في أواسط هذا الفصل؛ ومع بداية فصل الشتاء يتجهون إلى تيرس مرورا بشنقيط التي يتزودون منها بحاجاتهم من الزاد، ومع نهاية هذا الفصل يعودون إلى تكانت محملين بالملح من سبخت (الجل) مارين بنفس طريق الذهاب، ثم يرسلون الملح إلى بلاد السودان جنوبا لبيعه، ثم تعود القافلة من الجنوب، وهكذا إلى أن توفي زعيمهم(سيد الأمين بن الطالب سيدي أحمد).()
وبوفاة الزعيم خلفه ابنه سيدي أحمد بن سيد الأمين بن الطالب سيدي أحمد المشهور (بامينوه) الذي واصل في إنزال مجموعته منازلها التقليدية مما مكنه من ربط علاقات شخصية مع وجهاء شنقيط وفي إرسال قافلة الملح جنوبا إلى بلاد السودان مما ساعد على ازدهار مجموعته اقتصاديا رغم تنقلها؛ الأمر الذي لفت انتباه أحد أصدقاء امينوه، وهو (محنض أحمد بن عبدي العلوي الشنقيطي) ناصحا إياه بالتقري قائلا (إن ازدهار) "حلتكم" هذه عظيم إلا أن الازدهار لا بد له من جذور تضمن استمراره() ـ عارضا مساعدته بفسيل النخيل لتنفيذ نصيحته؛ وتقبل امينوه الفسيل .. ومن حفرة أبيله شرقي وادي الرشيد اتجه امينوه وأخوه مْحمد والطالب خيري إلى الوادي لمعرفة مدى صلاحيته للاستقرار فرأوه مناسبا، فاستدعى امينوه وجهاء قبائل المنطقة وهم: (أحمد بن المختار الجكني ـ سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي ـ عبدي بن سيدي العلوي الشنقيطي ـ محمد بن أحمد شين زعيم إدوعيش).()
وجاء في عقد الملك المكتوب إن الوادي من (أم الأرجام شرقا وحتى بو دركة غربا" قرب تاوجافت" حبسا لأولاد سيدي الوافي، وثلاثة من أولاد سيدي بوبكر، هم: أعمر بن حيبلله وأحمد سيدي بن المامون وحامدنا) ثم دفع امينوه ما يعتبر قيمة هذه الأرض المقدرة عينا (ذهبا، وفضة) مقابل استغلالها، وقسم هذا المبلغ على أربعة أرباع، ثلاثة أرباع لكل من العلماء الثلاثة؛ وربعا له وطلب منهم توزيعه على مستحقيه من الفقراء والمساكين، كما سيفعل هو بالربع الرابع.()
ثم نزل امينوه ومجموعته بِرَكْ المالح بوادي الرشيد (أغبمبرت) الذي سمي يومها بوادي الرشيد تفاؤلا حيث بدأ بتحضير المجال لغراسة الوادي..
وبنيت نواة المدينة التي تكونت من دار الطالب المختار التركزي مدرس الأبناء؛ والمسجد وقصر امينوه، ودار المبارك (أحد عمال البناء) ومْحمد بن سيد الأمين بن الطالب سيدي أحمد والطالب خيري.
وظل الرشيد ورشة بناء، وغرس لواحات النخيل، مما جعله مجال جذب اقتصادي حيوي وذلك لأهمية موقعه الجغرافي المتميز،
ومن المرجح أن يكون إنشاء الرشيد وبداية تأسيسه موافقا لنهاية العقد الأول من [القرن الثالث عشر هجري / نهاية القرن الثامن عشر ميلادي 1796م].
وقد عرف سيدي أحمد (امينوه) بالعلم والورع ... درس في محاظر تيشيت وتخرج منها بزاد لا بأس به من العلم.. كرس جل حياته لتدبير شؤون قبيلته (أولاد سيدي الوافي)، وهو أول من استقر بها في وادي الرشيد بعد أن كانت كثيرة الترحال لانتجاع المراعي كما هو حال الموريتانيين في تلك الفترة من تاريخهم، فكانوا يرحلون شمالا ... ويعودون إلى شمال ووسط تكانت ـ كما أسلفت ـ
المحور الثاني: بدء المقاومة الوطنية من قصر الرشيد" وملابساتها سنة (1905مـ) (مع محمد المختار بن الحامد).
قبل الحديث عن المقاومة الوطنية من قصر الرشيد، لا بأس عندي في تقديم صورة عن الرشيد، ربما ارتسمت في مخيلة من يسمعون به ومن يعرفونه.
فالرشيد حباه الله تعالى بأن جعله محببا على قلوب الكثيرين وعلى كل من يسمع به خاصة في شعر محمد ولد آدب وغيره، وهو منطقة جذب سياحية كبيرة، حيث إنه يتمتع بموقع جغرافي متميز..
ومن يزور الرشيد في زمن الخريف، فإنه سيتمتع برؤية لوحة جميلة وخلابة، إضافة إلى أطلال المدينة التاريخية التي دمرها الاستعمار الفرنسي سنة (1908م)، فموقع هذه المدينة المطلة على واحات النخيل الممتدة تحت سفح الجبل، متميز جدا، وبمجرد الوقوف على أطلالها، فإن الزائر ستأخذه تلك المناظر الساحرة على طول مد البصر يمينا وشمالا.
وإن أراد الزائر الاعتبار والاتعاظ فلينظر تحت قدميه ركام تلك الدور المدمرة التي شيدها قوم في العصور الغابرة، وقد رحلوا عنها جميعا إلى الدار الآخرة، ثم يقرأ من سورة (ق) قوله تعالى {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق: 6 - 10].
وليقرأ كذلك من قوله تعالى في سورة الإسراء {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44]. وفي هذه الآيات كفايةٌ لحصول الاعتبار والاتعاظ.
وقول الشاعر:
لله سرٌ تَحْتَ كُـــلِّ دقيقةٍ *** فَأخُـو الْبَصَائِرِ غَائِصٌ يَتَدَبَّرُ
ويقول فيه محمد الأمين بن ختار الجكني لما طلب منه بعض قومه العودة إلى موطنه وترك الرشيد:
فتى يمسي ويصبح بالرشيد *** يـــعـــلل بالـنـسيب وبالنـشـيد
وأكمام النخيل تريه زهــــواً *** على جنبات ذا القصر المشيد
يحن لأهله وفضول مــــــال *** لعمر اللـــه لم يـــــك بالرشيد
وفي وصف الرشيد وتمجيد مقاومة الاستعمار فيه يقول الدكتور والشاعر الكبير أدي بن آدب:
في قمة الجـبــل الرشـــيـدَ أرادوا *** أمَّ القــرى حيث الشعــارُ أجـــــادُ
كل الصخور هنا تـــرتــلُ سـيـرةً *** منها تــفــوحُ مــكـارمٌ وجــــهـــادُ
وبسفحه الوادي المقدس فاخلعنْ *** نعليك بالبـطـــحا هــنـا الأمــجـادُ
وقول الشاعر الكبير أبو شجة في السياق نفسه:
لمن تُقرَعُ الأفلاكُ زهواً طُـبولَـها*** إذا اسْتَحْمَت الْعَلياءُ يوماً فُحُـولَـهـا
وهاجَت بشُوَّاظٍ من الشَّرِّ حَوْلهَا*** نُجـُــومٌ تُـنَــادِي من يَـــبُــلُّ غلـيلَـهـا
ولمْ تَرَ لابْنِ الحامدِ الفذِّ دونَــهــا***جِلاداً يُروِّي وَعْــرَهَـــا وسُــهُـولَـهـا
وقد عَوَّدتْنا المَكْرُمـاتُ اعــتـــلاءَهُ***على كـل حـالٍ صعْـبَهـا وذَلــولَـها
وكانت له العَلْياءُ تَنْـقــادُ كيفـمـا*** دَعاها كما قد كــان يَحْمِي أُصولَــهـا
***
وبعد تقديم الصورة السابقة عن الرشيد، والتي ربما ارتسمت في مخيلة من يسمعون به ومن يعرفونه ـ نعود إلى موضوع المقاومة.
المحور الثاني: بدء المقاومة الوطنية من قصر الرشيد" وملابساتها سنة (1905مـ) (مع محمد المختار بن الحاد).
المجاهد محمد المختار ولد الحامد بطل كان يتنفس عبق الحرية والكرامة يأبى الضيم والذل وهو القائل:
من معط للاه الخـــــــــــــلاك = وساني مانكـــبل تركــــــاكــى
ألان نكبل من مرجع تمــراك = لين المرجع فيه أنلاكـــــــــــي
وهذا مما ينبئ عن شخصية هذا القائد ويشي بملامح مقاومته للمستعمر الغازي مع صلاته بالمقاومة وأعيانها مثل سيد أحمد ولد أحمد ولد عيدة أمير آدرار، والشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل.. وغيرهم من أبطال المقاومة.
وقد كان منطلق هذا البطل المجاهد في صولاته وجولاته مدينة "الرشيد" بتكانت فأطلالها المدمرة لسان ناطق بما كان في تلك الحقبة الزمنية من مقاومة وصمود، كما أن تلك المدينة كانت ملاذا لكل المقاومين ضد الاستعمار وحصنا ينطلقون منه لتنفيذ عملياتهم ضد دوريات وقواعد المستعمر وهو ما حمل الفرنسيين على شن معركة ضدها لتدميرها والقضاء على محمد المختار ولد الحامد ومن معه من المجاهدين. وكان ذلك في يوم 16 أغسطس 1908مـ.
***
ولقد مثلت مقاطعة المدرسة الاستعمارية - رغم ما انجر عنها من تبعات ـ سلاحا آخر من أسلحة المقاومة، لا يقل أهمية عن المقاومة المسلحة، بل ربما كان هذا السلاح أصدقُ إنْبَاءً من سيف المعتصم، فكانت المحظرة والزاوية والمسجد دروعا واقية من تشرب ثقافة المستعمر وتغلغله في أوساط المجتمع المسلم، مما مثل صمام أمان لهوية المجتمع العربيالإسلامي ولقيمه وموروثه الحضاري، ولعل مصداق ذلك ما شهد به الحاكم الفرنسي العام في غرب إفريقيا في رسالة له إلى وزير المستعمرات والحق ما شهدت به الأعداء إذ يقول فيها: " لقد وجدنا أمامنا شعبا يملك ماضيا مليئا بالأمجاد، والفتوح مازالت عالقة في أذهانه... ومن الخطإ أن نقارنه بالشعوب الأخرى ذات التقاليد الأضعف والشعور الوطني الخافت"
وإلى ذلك أشار الإداري الفرنسي Beyrisبيري أيضا في تقرير سري في 20 أغسطس سنة 1937م حين قال:
" إنه لا يوجد مجتمع بدوي يبلغ مبلغ الموريتانيين في العلم بالعقيدة والأدب والفقه ... وإنهم ليتحدثون العربية الفصحى أحسن مما يتحدث بها سكان مدن عربية أخرى... ولا تكاد تجد بينهم راعيَ إبل من أبسط الرعاة إلا ويترنم بالشعر الجاهلي".
وبإمكاني تقديم نماذج من الأدب الشعبي المقاوم؛ فالنفوس تواقة للأدب والشعر، فصيحه وشعبيه، وإنما أردت ذكر هذه النماذج هنا حتى نتبين عند الوهلة الأولى أن الشيخ المجاهد محمد المختار ولد الحامد، كان يعبر عما في وجدانه بشيء من الاعتزاز بالنفس، وبالاستعداد المطلق لمنازلة العدو أيا كانت طبيعته، وتتسم المقاطع التي وجدتها ـ على قلتها ـ بشيء من التحدي واختيار الأسلوب الحماسي في شعره؛ إذ يقول:
فالشَّرْ عَــدَّلْت الْيَخْلِ *** وانْـعَــتْ بَــيْـدِ تـلْــيـَاعِ
واكْعَدت مَــانِ مُخَـلِّ *** يَــكُـونْ فَاخْــلاَكْ اذْرَاعِ
ويقول أيضا:
فالشَرْ نَقْضِ لفّاجَـلْ *** وامْن اذْممْ مَـــا نَتْلَجْـلجْ
اما كَطْ جَلَّجْنِ رَاجلْ *** مَا بَاتْ صَهْرَانْ أًمجَـــلَّجْ
..
وله أيضا:
يــلِّ مَـنِّ ذَلَّـيْتْ أهْــدَ *** وَامْر الرحمن أحْكَمْ خَرْصُ
واعْرَفْ عَنْ لَيَّامْ امْعَدَّ *** مـَــا يَـنْـزَادُ مَـا يَـنْتَــكْــصُ
وهو القائل:
بَخْلاَكِ ما نشْرِ َلَخْـــــــــلاَكْ *** غَيْرْ أَمْنَادَمْ دَارْ أخْــــــــــلاَكـِ
مَا يَبْكَالُ منْ ظَـيـْـفْ أخْــلاَكْ *** كَدْ اظْفَرْ فَــــــــــخْلاُكـُـ بَـاكــِ
وأمنْ مَعْطَ لِلاَهْ الْخَــــــــــلاَّكْ *** وَسَّـانِ مَا نَكْبلْ ترْكـَـــــاكِــ
ألاَ نَكْبلْ منْ مَرْجَــعْ تَمْــرَاك *** لَيْنْ الْمَرْجَعْ فِيهْ أنْلاَكـِـــــــ
***
والدَّفْرَهي والتّطْــــــــــراك *** ذو لثنين أسوَ فاخلاكـِــــــــ
واخلاكـِ ما تكدرتظيــــــــاكْ *** بي التكْل أعلَ خــلاكــــــــــــ
هذا شعر ملحمي؛ يطغى عليه التحدث عن القتال، والضرب والنزال؛ والإباء وعزة النفس والإيمان المتجذر في خلده.
كل هذا وغيره دفع هذا البطل المجاهد إلى الإصرارعلى منازلة العدو الفرنسي في زمن وصل فيه احتلاله الغاشم إلى مدينة تجكجة بتكانت، وفي هذا الظرف تسامت الرؤية عند المجاهد محمد المختار بن الحامد؛ وتطاولت أبعاد الحدث وتلون كل ما لديه بالعزم والتصميم لدحره، فاستخدم: المكاتبة – والمكايدة- والممانعة - والمقاتلة – والهجرة، وسجل بأحرف خالدة في صفحات التاريخ المشرقة "المقاومة الوطنية من قصر الرشيد".
وهنا يمكننا القول بأن شجاعة هذا البطل وثقته بنفسه إلى درجة إيمانه بالنصر على العدو مردها ـ بعد إيمانه بالله وثقته فيه وتوكله عليه ـ تتلخص في عوامل منها:
1 ـ كون مدينة الرشيد على سلسلة جبلية تشكف آفاق المدى.
2 ـ وجود المدينة بجانب الأحواض والأودية الخصبة لتأمين الماء والغذاء.
3 ـ شبكة العلاقات الواسعة يومها في داخل البلاد وخارجها مع الشريف مولاي إدريس بالمغرب. والشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل المقيم في السمارة.
4 ـ نمطية العمران في المدينة، ومنها المحظرة والمسجد، ومخازن الحبوب؛ وطرق القوافل التجارية وتنوعها من طريق للملح، وأخرى للزرع.
والمجد لكل أبطال المقاومة في عموم البلاد.