مقابلات أمير الشعراء سلطان السبهان: قرأت كتاب الوسيط، والشعر مقاومة للخراب (مقابلة)

خميس, 11/07/2019 - 10:40

نقلا عن موقع تقدمي

حاوره: الشيخ نوح

في جيبه حفنة من رمال الخليج ممزوجة بالحزن، وعلى شفتيه تنمو زنابق الانزياح دون تكلف. حمل إلى أبو ظبي أبجديته بكل نصاعتها، وقامر برصيده من الإدهاش، وقدرته الاستثنائية على تحليم العالم بالشعر، وترميم تصدعات جدران الذات الإنسانية بالمجاز. رمى نرده فاصطاد إمارة الشعر في أبوظبي قادما من الرياض.
يرى الحزن مخلوقا حقيقيا وغير مغشوش. في إجاباته مواربات لذيذة تثري السؤال أكثر مما تطلق عليه سهم الإجابة الباردة، القاتل لكل توثب.

صدر له: تفاصيل أخرى للماء 2015، ويكاد يضيء 2016، ثم ما لا يجيء 2018

التقيناه ،في إطار مد الجسور والانفتاح على العالم من حولنا، في هذا الحوار حول شجون الشعر العربي، وصداعات الكتابة بين المقابر وعلى حدود المدافن الممتدة من المحيط إلى الخليج. إنه أمير الشعراء الذي باغتناه في عطلته النمساوية بالأسئلة الحارقة، الشاعر السعودي سلطان السبهان.

على مدى عقد من الزمن قدم برنامج أمير الشعراء عشرات الأصوات الشعرية الشابة من مختلف مناطق جغرافيا العالم العربي، بوصفك الفائز باللقب الأخير 2019، كيف ترى هذا الطوفان الشعري أفقيا وعموديا؟

برنامج أمير الشعراء هزّة كنا نحتاجها لتحريك الركود الذي تلبّس ساحة الشعر الفصيح زمناً على المستوى الشعبي العام. ومع كل النجاح الذي حصده ولا يزال يحصده برنامج أمير الشعراء والضوء الذي أتاحه للشعراء، إلا أنه يظل نافذة مضيئة تمنح الشاعر ما يحتاجه؛ مما يمكنّه من الوصول لقلوب الآخرين، وربما ذاكرتهم.

ويظل الجهد الأكبر منوطا بعزيمة الشاعر وإصراره على البقاء في بقعه الضوء التي بطبيعة الحال يزاحمه فيها كثير من الناس وربما كثير من الأشياء.

وللحق أقول؛ هناك أسماء كبيرة أتاح البرنامج التعرف عليها في جميع مراحله، وهم لا يزالون مضيئين من خلال نتاجهم وحضورهم و تألقهم، هم في أغلب البلدان العربية، هذا أفقياً. أما عمودياً، فإنه لا يمكن إنكار ما يستفيده الشاعر من احتكاكه بالتجارب الأخرى التي يتعرف عليها أو يزاملها في منعطفات هذا البرنامج مما ينعكس على النص الشعري وتجربته.

– وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائط الانفتاح على آفاق شتى، وكذلك النشر الألكتروني، كلها أتاحت فرصا للمبدع للانتشار، هل تعتقد أن دور النشر التقليدية في طريقها إلى الزوال؟

صدقاً، ما زلنا مبهورين بما تقدمه هذه الوسائل التي تسيطر على جوانب حياتية كثيرة، وقربت لنا ما نتطلع إليه من التجارب الشعرية والإبداعية بشكل عام. ومع كل هذا الانبهار إلا أن فئة كبيرة من المهتمين – لاسيما النقاد والمكلفين بدراسة ما – لايمكن أن يستمتعوا بكامل التجربة ما لم تكن ملموسة بين أيديهم ومضمومة بين رفوف مكتباتهم على شكل أوراق لها نكهتها الخاصة، فهناك علاقة خاصة تنشأ بين القارئ والكتاب مطرزة بالصدق والحميمية. دور النشر التقليدية اليوم تعاني وستعاني أكثر كما أعتقد، وستمرض لكنها لن تموت تماماً.

– في ظل ما يحيط الدول العربية من آفاق من اللايقين، ومن أنواء الخوف والدمار. أين تتموقع القصيدة من كل هذا الخراب والمدافن، وهل يمكن للكلمة أن تساهم في الخروج من حالة الفوضى المتحكمة هذه، في تقديرك؟

مع كل هذا الموت والقلق والغربة، واختلاط الأمور.. أتفق تماماً في سيطرة اللايقين وهجوم الخوف على كل ما حولنا، وهي حالة تهجم على الروح وتفقدنا الكثير من جمال إنسانيتنا. وأعتقد أن الشعر كان و لا يزال واحداً من أهم الرايات التي يرفعها الإنسان ليواجه بها مظاهر القبح والتشوّه في العالم. نحن كشعراء أكثر الناس إيماناً بأثر الكلمة وموقعها من النفس، فبكلمة ربما قامت حرب وبكلمة ربم انطفأت، والتاريخ حافل بشواهد يرتفع فيها قوم ما من خلال أبيات …. فالقصيدة انتماء للجمال ومقاومة للخراب، ولا يمكنه أن نقاوم الخراب والقبح في العالم ما لم نقاومه في نفوسنا وفي نفوس من حولنا. وبالشعر يمكننا ذلك.

– يتهم البعض الثقافة العربية، وبالتالي الشعر العربي، بالذكورية، فهي لا تتعامل مع المرأة كإنسان أولا، بل كأنثى قبل كل شيء، مع ما يعنيه مفهوم الأنوثة ثقافيا من دونية وقدحية أحيانا، هل ترى أن الشعر يساهم في تكريس مثل هذا التنميط ضد المرأة في الثقافة؟

في القرآن الكريم – كأهم المصادر وأثبتها – حضرت المرأة في منعطفات مهمة وحساسة جدا، لاسيما في تشكيلات موسى عليه السلام، وانطلاقات عيسى عليه السلام، وغيرها. وأتفق مع الشطر الأول من صيغة السؤال، فحين ننظر للثقافة العربية كنتاج كلي سنرى ذلك جلياً، وهذا لا يعني أبداً عدم وجود أي صوت معتدل، فالأصوات المعتدلة لا تزال تظهر بين حقبة وأخرى، والوعي بالمرأة كشريك والمرأة ككيان مستقل لا يزال يتنامى بشكل جميل وملحوظ. وعلى أية حال؛ الشعر بريئ من التحيز، وهو من حيث هو، لايكرس لمثل هذه الأفكار ولا غيرها، وإنما هو قالب إن صلح صاحبه صلح وإن طغى التنميط في المجتمع مال الشعر مع مجتمعه. لكن تبقى الأنوثة – كمفهوم ملتبس مع ملامح كثيرة في المرأة – إشكالية ليس فقط في المجتمعات العربية، أو في حقبة دون حقبة.

– باستثناء الشعر هل لك اهتمامات أخرى، أو هوايات تحلم بأن تصل فيها إلى حد الاحتراف؟

للشعر النصيب الأكبر من اهتماماتي. لكني مع ذلك أعشق القراءة في أصول الفقه والمنطق وعلم الكلام. ولي شغف كبير أيضا بالصحراء والرحلات البرية وكل ما يتعلق بها من طقوس.

– ما مدى اطلاعك على ما يكتب موريتانياَ من الشعر، وهل تملك رؤية واضحة عن الحالة الشعرية الموريتانية؟

تظل موريتانيا بتاريخها وشعرائها نخلة معطاء، ونبعاً وفيراً للقصيدة العربية. وقد كانت أول مصافحة لي مع الشعر الموريتاني قديمة، فقد قرأت في كتاب الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، ووقفت على نماذج أعجبتني، ومن خلال الشبكة استطعت الاطلاع بشكل أوسع على تجارب أخرى لاسيما تجارب شباب هذا الجيل، ولا أخفي مدى إعجابي بالكثير منهم لاسيما من تسنى لهم الخروج من مسالك النظم وعباءة قصائد المطولات والألفيات. ربما سأتحرج من ذكر الأمثلة لكثرتها وللخوف من السهو عن أحد المبدعين، لكن لدي رؤية شبه جيدة وواضحة عن الحالة الموريتانية الجميلة، وأتابع وأقرأ دوما في تجارب الأصدقاء والمدوّنين من خلال الشبكة.

– لا تسألي كان هذا الليل يسهرنا

والحزن نحن له حزن يُكتّمه

ما في الدفاتر غيري.. كنتُ

أسكبني فيها حشاشة إنسان جرى دمُهُ..

أعدّ قهوة أشعاري وأشربها..

فنجانُ حلم وفنجانٌ يحطمهُ..

من نصك “شرفة اليأس” هل  العالم جنائزي إلى هذا الحد، أم هذا الحزن حزن فلسفي، وزيت لفانوس الإبداع، وليس استعارة عن الوجه المكفهر للعالم؟

العالم يا صاحبي مليء بما يبعث الحزن. وفي الشعر متسع ومتنفس. والحزن ليس سيئاً بإطلاق، الحزن واحد من بحور الشعر التي لابد من تجربتها والتجديف معها وباتجاهها. الحزن صادق، وممتد، ومتأصل، ودافع. وبدون الحزن لا يمكن أن نعرف قيمة وجمال الحياة، وقيمتنا أيضاً. وحين نحزن نشعر بغيرنا، ونغرف من أعماقنا، ونقترب منا. لذا تطرقت للحزن كثيراً، وجعلت منه مصبّاً آخر للعطاء والإنسانية، أرجو ذلك فعلاً.

تصفح أيضا...