حقيقة تأخير ساعة الصفر.. وهل كان “موكب سنار” لجس النبض؟!
قراءة: داليا/ ود الحاج (smc)
أصبحت دلائل تخطيط الحزب الشيوعي للتظاهرات وأعمال الشغب والتخريب من الإمور المسلم بها وذلك من خلال المشاركة في عمليات التخريب والحرق التي طالت عدداً من المؤسسات الحكومية والخاصة في عدد من الولايات، وعلى الرغم من محاولة الحزب الشيوعي تصوير الإحتجاجات على انها تحركات شعبية ناتجة عن تردي الاوضاع الإقتصادية وان الحزب لا دخل له بها، الا ان كثير من الشواهد تبين عكس ذلك.
ساعة الصفر
إندلعت الاحداث فعلياً في التاسع عشر من ديسمبر الماضي في بعض المدن بسببِ ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وبدأت في عطبرة و بورتسودان وامتدت إلى مدن أخرى من بينها الخرطوم، لكن الوثيقة التى تم تسريبها في وسائل التواصل الإجتماعى كشفت عن تخطيط الحزب الشيوعي للمظاهرات بان تكون البداية في أغسطس الماضي وبحسب الإرشادات التنظيمية التى حملتها الوثيقة فان الحزب وجه بأن تبدأ الإحتجاجات في يوم الاربعاء الموافق 1/8/2018 وذلك في تمام الساعة التاسعة صباحاً، واختار الحزب ان يكون شعار المظاهرات هو (ثورة جياع .. ثورة غلابة ).
وحدد الحزب بحسب الوثيقة التى تمت عنونتها بـ(اللجنة التنظيمة للثورة الشعبية) بأن يتجمع كافة المواطنين في ولاية الخرطوم في( شارع الجامعة – شارع النيل وشارع الجمهورية) بمحاذاة ساحة الشهداء.
ودعا الى ان تستمر المرابطة في اماكن التظاهرات حتى يقوم البرلمان بحل نفسه وأن يتنحى الرئيس وتتقدم الحكومة بكاملها بالإستقالة وتسليم السلطة للقوات المسلحة!!
كانت تلك خطة الحزب الشيوعي الا أن التغيير الذي طرأ على الخطة أدي لتأخير “ساعة الصفر لإطلاق الشرارة” حتى ديسمبر، ولا شك ان هنالك كثير من الأسباب التى أدت الى تغيير خطة الحزب على رأسها ضعف كوداره وعدم إستجابة كثير من عضويته التى تعتقد انه لم يحن وقت التغيير عبر المظاهرات، وهو الأمر الذي دفعهم لاحقاً الى التنسيق مع الحركات المسلحة وعلى رأسها حركة عبد الواحد محمد نور.
جس النبض
ظل الحزب الشيوعي يراقب عن كثب الساحة في محاولة لتنفيذ مخطط تغيير النظام وكانت المحاولة الأولى من ولاية سنار حيث أصدرت الحزب الشيوعي بالولاية في الثامن من ديسمبر بياناً تحريضياً لمواطنى الولاية دعت خلاله الى الخروج الى الشارع والمطالبة باسقاط النظام، والذي حدد له ان يومى السادس عشر والسابع عشر من ديسمبر لتكون اياماً للمظاهرات في الولاية أي قبل يومين من إنطلاق التظاهرات ” الحقيقية”
اللافت في بيان الشيوعي منطقة سنار والمنشور على صفحته في “الفيس بوك” انه دعا جميع اطياف الشعب للخروج إلى الشارع، الا انه خص بالذكر طلبة الجامعات والمدارس وهو الأمر الذي دل على ان الحزب لا ينوي قيادة مسيرة سلمية بل انه يشير الى انه ينوى التخطيط للقيام بعمليات التخريب والحرق. ولكن سرعان ما فضحت الاجهزة الامنية بولاية سنار للرأي العام نوايا الحزب الشيوعي حينما اعلنت القبض عن خليتين تخريبيتين تعملان على تحريض المواطنين و تخططان لحرق مبنى محلية سنار وعدد من المؤسسات الحكومية والخاصة، وان إحداها مؤلفة من 25 شخصا بحي الدباغة، كانتا تخططان لعمليات تخريبية في المدينة، والأخرى تتبع لحزبي المؤتمر السوداني والحزب الشيوعي بحي القلعة وهو ماقد يفسر محاولة الشيوعي للتنسيق مع الاحزاب المعارضة والحركات المسلحة لاحقاً بغرض نجاح الإستفادة من الإحتجاجات التى بدأت في 19 ديسمبر.
اشعال فتيل الازمة
وعقب صدور بيان منطقة سنار سارع سكرتير الحزب محمد مختار الخطيب الى التصريح لصحيفة الميدان عدد (3488) الصادرة يوم الخميس السادس من ديسمبر بأن بيان منطقة سنار” المشار اليه سابقاً” حول الاحتجاجات شأن يخص المنطقة، غير انه اكد بأنه يصب في مصلحة اسقاط النظام؟؟ وهو مايشير الى أن قيادة الحزب أرادت النأى بنفسها عن أي مسؤولية تظاهر في حال نجاح إشعال التظاهرات من سنار وربما هي محاولة ” لجس النبض ” قبل بدء المخطط الفعلى في 19 ديسمبر.
والغريب في الأمر أن منطقة سنار لم تنفذ مادعت اليه من تظاهرات مما يضع المزيد من علامات الإستفهام هل الفشل كان مقصوداً؟ أم أن الحزب قد تراجع عن ما كان يخطط له؟
وعطفاً على الإعترافات التى صدرت من اعضاء الخلايا التخريبية التى تم ضبطها في ولاية سنار وتداولتها وسائل الإعلام فإن الشيوعي اعتمد التخريب خطاً لإسقاط النظام، بجانب المعلومات التى تم تداولها في وسائل التواصل الإجتماعي حول تحريض الشيوعي عناصره على حرق المرافق الإستراتيجية بالدولة ومحطات الكهرباء، وان تجعل دور المؤتمر الوطنى تحديداً هدفاً للحريق، كما اشارت الانباء لتحريض الحزب لعناصره على توفير السند لمجموعات حركة عبد الواحد لتتولى عمليات التخريب والنهب والإتلاف.
وفي السادس من ديسمبر الماضى اهتمت صحيفة الميدان بافراد مساحة واسعة لتغطية ندوة قوي الإجماع الوطنى التى ذهبت الى ضرورة التنسيق بين المعارضة والنقابات المهنية والمجتمع المدني لقيادة انتفاضة شاملة بالبلاد، وذلك عبر توسيع دائرة الحراك الجماهيري، وماهي الا ايام قلائل حتى اندلعت المظاهرات في التاسع عشر من ذات الشهر، غير ان النقابات المهنية لم تكن جزءًا من الحراك وهذا ما تسبب في ظهور تجمع المهنيين الذي يحاول الحزب الشيوعي إنكار تبعيته له.
قبل ذلك وفي عدد الميدان (3487) بتاريخ الثلاثاء 4 ديسمبر أفردت الصحيفة عنوانها الرئيس من الندوة ” قوى الإجماع : “الجماهير هي حائط سد امام الهبوط الناعم” .. وجاء في صدر الخبر ” قال تحالف قوى المعارضة على أن تفاقم الازمة غير المسبوقة يتطلب قدراً عالياً من التنسيق بين قوي المعارضة والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدنى لإيجاد مخرج وطني للأزمة، وقالت إنها ستعمل إنطلاقاً من موقفها الملتزم بخط الجماهير والداعى لإسقاط النظام من أجل بناء تيار الإنتفاضة على مستوى الاحياء والقطاعات والجامعات لتنظيم الجماهير باعتبار ان التنظيم يؤسس لقيادة عملية التغيير”.
ولعله ليس من “محاسن الصدف” أن يكتب في نفس العدد سكرتير الحزب الشيوعي مقالاً بالداخل بعنوان” نحو الإنتفاضة .. وإخراج السودان من المستنقع الإمبريالى”. وذكر الخطيب في مقاله “.. بالضرورة وقد نجحت العوامل الموضوعية للتغيير ان تتسع دوما حركة احتجاجات ومقاومة الجماهير للسياسات المهينة واالمفرطة في ضروريات حياة المواطن وحدوث التراكم والتوحد لتحقيق الإنتفاضة وإسقاط نظام الرأسمالية الطفيلية .. الخ”..
التنسيق مع المتمردين
يذكر التاريخ للشيوعي انه ظل يسعى للتنسيق مع الحركة الشعبية تارة وحركات دارفور تارة أخرى، موصداً الباب أمام التفاعل مع أي حلول سلمية. ومثلت محاولة التنسيق بينه الشيوعى وحركة عبد الواحد مؤخراً فشلا جديداً في تجاوز حالة التفكير السوداوي باستخدام العنف وسيلة للتغيير، فمحاولة نفخ الروح في تحالف المعارضة مع الحركات المتمردة وسيلة أثبتت عدم جدواها، وليس أدل على ذلك ما انتهى إليه تحالف نداء السودان، الذي جمع حزب الأمة بالمتمردين واخفق في الوصول إلى “وزن المعادلة” بين دعاة العمل المدني ومؤيدي خيار حمل البندقية.
على الرغم من التنسيق المحكم بين الشيوعي وحركة عبد الواحد نور الا ان ظهور الحركات المتمردة الاخري على الساحة ومحاولة استغلال الإحتجاجات مثل حائط صد امام تقدم الحزب الشيوعي، حيث اكدت المعلومات التى تناقلتها وسائل الاعلام ان رئيس حركة العدل والمساواة جبريل ابراهيم حذر من استغلال الحزب الشيوعي واحزاب اليسار الاخري للمظاهرات ودعا الحركات المتمردة الى ايجاد موطئ قدم لها في الاحتجاجات ، وأقرت الحركة بأن الحراك الجماهيري الدائر الآن في الساحة السياسية لايمكنه اسقاط النظام ووصفت القوي السياسية بأنها متبعثرة الأجندات ولا تستطيع تحريك “تربيزة” يديرون فيها إجتماعاتهم.
وترتكز رؤية الحركة على إن حراك الشيوعي لا أثر له على أرض الواقع، وانه يحلم بتفجير ثورة شعبية عبر تحركاته تخريبية.
رغم تخطيطه المسبق للمظاهرات حاول الحزب الشيوعي النأى بنفسه عنها بالتزامن مع اندلاع الاعمال التخريبية ربما لاعتبارات قانونية غير انه عاد وبارك الخطوات التى تبناها تجمع المهنيين حيث دعا على السكرتير العام للحزب للإستمرار في التظاهرات مشيراً إلى أن حزبه ينشط في التعبئة للخروج إلى الشوارع، وهي دعوة قد تبدو بريئة منطلقها اللحاق بالشارع، وكأن الشيوعي لم يشارك في التخطيط والتنفيذ للتظاهر والتخريب.