تقرير: رفيدة عمر (smc)
إنعقد الإسبوع الماضي مؤتمر أركويت الرابع عشر الذي نظمته جامعة الخرطوم حول المشكل الإقتصادي الراهن في السودان برعاية رئيس مجلس الوزراء القومي ووزير المالية والتخطيط الإقتصادي معتز موسى والذي ناقش (12) ورقة عمل.
قدم الدكتور حسن حامد مشيكة الأستاذ بجامعة الخرطوم ورقة بعنوان (مابين اللامركزية والفدرالية في السودان .. كيف يتم الإصلاح السياسي والإدراري والمالي في مستويات الحكم) .
تناول في بداية ورقته ما واجهته التجربة السودانية للنظام الفيدرالي من مشكلات في الجوانب السياسية والإدارية والمالية علي مستويات الحكم الثلاث الإتحادية،والولائية،والمحلي بعد توقيع إتفاقية السلام الشمال في يناير 2005م التي أوقفت الحرب بين الشمال والجنوب، وبعد تفاقم المشاكل إنفصل الجنوب وكون دولة مستقله 2011 ،لم يكن السودان على علم بفلسفة الحكم اللامركزي وقد خلط بالنظام الفيدرالي.
ذكرت الورقة أن السودان يعد ثاني دولة في القارة الإفريقية تأخذ بالنظام الفدرالي في ظل النظام الرئاسي منذ عام 1994م تليها نيجيريا وأثيوبيا ،وواجهت التجربة السودانية في تطبيق النظام الفدرالي خلال ربع قرن من الزمان العديد من المشكلات الإدارية والمالية على كافة مستويات الحكم الثلاث إلى أن وقعت إتفاقية السلام الشامل2005م وصنف نظام الحكم في السودان بنظام اللامركزي.
وتطرق لتحول السودان من النظام الفيدرالي إلى النظام اللامركزي بمستوياته الثلاث متساءلاً عن كيفية إصلاح النظام اللامركزي في السودان؟ وهل المشكلة تكمن في الفلسفة والخلط بين مصطلحي اللامركزية والفدرالية؟ ولماذا عجزت العديد من المحليات عن القيام بواجباتها والنهوض بمسؤوليات تجاه مواطنيها؟ وكيف العمل من أجل إصلاح النظام؟.
عرف مفهوم اللامركزية بإنه أبعاداً شتى في الأدبيات الإدراية والسياسية خلال حقبة التسعينات من القرن المنصرم ،أما الفدرالية فهي تنظيم سياسي تتوزع فيه نشاطات الحكومة بين حكومة مركزية وحكومات محلية وعلى نحو يتيح لكل نمط من هذه الحكومات القيام بنشاطات تتخذ على أساسها قرارات نهائية.
قدم جانب تطبيق المركزية التي إمتدت لفتره طويلة في البلاد مقارنه بنظام اللامركزية والفدرالية نتج عن نظام اللامركزية العديد من السلبيات ،صدر نظام الفدرالي في 1991م بمرسوم دستوري قسم السودان إلى (9) ولايات، من ثم إعد دراسة قدمت فيها اللجنة أن السودان يجب أن يقسم إلى (18) ولاية ولكن قرر سياسيا توزيعه إلى (26) ولاية ،جاء هذا في العام 2005م حيث ذوبت ولاية غرب كردفان في ولايتي شمال وجنوب كردفان وأصبحت ولايات السودان (25) ولاية وصار النظام اللامركزي شكلاً وليس تطبيقاً.
وأضاف أن الفدرالية إفتقدت مكانتها منذ تطبيقها في السودان للعديد من الشروط واصبحت تجربة بها العديد من الاخطاء والنواقص على مستويات الحكم الثلاث نتيجة لضعف السياسات العامة.
وعدد مشكلات مزمنة منذ الإستقلال أبرزها إتساع مساحة البلاد الجغرافية مما أدى إلى علو صوت القبلية والجهوية بصورة حادة.
وتناولت الورقة وضع الولايات في السودان مابعد إنفصال الجنوب حيث فقد السودان عدد (10) ولايات وهي جميع ولايات الجنوب في السودان الكبير وفقدان إيرادات بترول الجنوب الذي أثر سلبياً على التحويلات المخصصة وغير المخصصة من الإيرادات القومية للولايات كافة فكان خصماً على الخدمات والتنمية البشرية .
على الصعيد السياسي فقد تغيرت المعادلة في إختيار الولاة الذين كانوا قد تبوأوا مواقعهم القيادية في الولايات عن طريق الإنتخابات في العام 2010م،والوصول إلى أفضل طريقة لإختيار الولاة بالإنتخاب المباشر من شعب الولاية المعنية.
ولخصت الورقة أن الحكم المحلي لم يتولى في مرحلة مابعد إتفاقية السلام الشمال بكثير من الإهتمام ،وظل وضع الحكم المحلي مهمشاً حتى بعد تعديل الدستور.
وأضافت أن فقدان التدريب الداخلي والخارجي كان له آثر كبير في سلحفائية تقديم العمل الخدمي وضعف التنمية في غالبية المحليات بالسودان ،وكذلك عدم إستخدام تقانه المعلومات والتكنولوجيا الذي يسهل العملية الإدارية.
شهدت مالية الحكم المحلي في لا مركزية السودان مابعد 2005م عقبات تقف أمام تنفيذ الفيدرالية المالية تنشأ من توزيع الحكومة الإتحادية لعائداتها غير الكافية على المستويات الأدنى من الحكومة الإتحادية وعدم إلتزام التحويلات المخصصة وغير المخصصة من الحكومة الإتحادية.
وعدد مشكلة أسباب القصور المالي في المحليات السودان كله الذي حددها الخبراء الإقتصاديون منها ضيق الأوعية الضرائبية وخاصة في المناطق البعيدة والمهمشة التي تفتقد إلى التعليم والتنمية و ضعف البنيات التحتية للدولة السودانية والمتمثلة في الطرق التي تربط مناطق الإنتاج بعضها البعض ممايؤدي إلى عرقلة التحصيل وإلى رفع تكاليفه وضعف الخدمات المقدمة للمواطنين وسوء إستخدام موارد الدولة في المحليات وغيرها وتوجيهها لأغراض شخصية وجهوية الأمر الذي أدى إلى إحجام العديد من سكان المناطق عن دفع الضرائب والرسوم والعشور والتهرب الضريبي للعديد من الشركات والجهات الأخرى وضعف وسائل التحصيل الضريبي وضعف الكوادر في مجال الضرائب وضعف روح الإنتماء القومي وإنتشار التعصب القبي والجهوي بجانب الإنطواء على الذات.
وأشار إلى أن ولايتي شمال دارفور وجنوب كردفان من أكبر الولايات التي بها محليات بالسودان لذلك تحصل على أعلي نسب للصرف على السلع والخدمات.
تطرق إلى التحديات في النظام اللامركزي الذى واجه السودان على مستوى الحكومة الفدرالية وأبرزها عدم توزيع الموارد الخدمية والتنموية بعدالة بين محليات وولايات السودان المختلفة،ثم على مستوى الولايات والمحليات كان يتم إنشاء العديد من المحليات دون مرعاة للمعايير الموضوعية مما تسبب لترهل إداري.
وطرح فرص إصلاح الحكم اللامركزي في السودان منها إمكانية تقليص الولايات في السودان وذلك لتقليل الصرف والإنفاق العام علاوة على ذلك دمج وتقليص المحليات في ولايات السودان من 189 إلى 120 ولاية ثم إصلاح العلاقات المالية والرأسية والأفقية بين أنظمة الحكم عن طريق تخفيض الإنفاق الحكومي إضافة إلى ذلك إصلاح الحكم اللامركزي وذلك عن طريق تعزيز الرقابة الديمقراطية وتقوية الرقابة البرلمانية في المجلس الوطني والمجالس التشريعية الولائية والمحلية
وأوصت ورقة اللامركزية والفدرالية في السودان بالإبقاء على النظام الفدرالي في ظل النظام الرئاسي كصيغة أفضل لحكم السودان وتقوية الرقابة البرلمانية وإعادة النظر في مسألة تقليص عدد المحليات إلى أقل عدد ممكن وإصلاح المالية العامة لإحتواء التصاعد في عجز الموازنة العامة في البلاد عن طريق تخفيض الإنفاق الحكومي وقيام المجالس المحلية كجهاز رقابي يساعد على ضبط عمل المعتمد بالمحلية وأخيراً معالجة إزدواجية القرار بين الحكومة الفدرالية والولايات والمحليات.