التعيينات الأخيرة للسفراء مخيبة للآمال، وأكبر متضرر منها هو السياسة الخارجية للبلد والنخبة الدبلوماسية له. وليس هذا طعنا في كفاءات المعينين ولا تباكيا على سابقيهم؛ بقدرما هو وقفة تأمل.
صحيح أن الرئيس هو من يعنى بحكم الدستور بالسياسة الخارجية لكن عدم تعيين دبلوماسيين مهنيين سفراء هو استمرار في التنويم الدبلوماسي.
فماالذي يمكن لوزير سابق أو نائب برلماني لايعلم شيئا عن الاتفاقيات الدولية والتوازنات الداخلية لبلد عُيّن فيه سفيرا وفي الغالب لم يسافر إليه من قبل ولايعلم لغته ولا اسم رئيسه ولا عادات الزواج في مجتمعه؟ بالتأكيد لاشيء سوى التهجي من جديد وقتل الوقت من جديد حتى يتجلى له "ظهر الشور"
في دول العالم التي تحترم دبلوماسيتها، وسياستها الخارجية مدروسة، يعتبر الدبلوماسيون المهنيون وقودا للسفارات وللسياسة الخارجية للبلد. يمثلون بلدانهم بوطنية ويقدمون كشوفا لعملهم؛ إخبارا وإعلاما وتسويقا.
سفارات بلدان مثل الولايات المتحدة والمملكة المغربية في انواكشوط بنيت وفق طراز معماري خاص ببلدانها، وسفاراتنا في الخارج حسب صورها وأحاديث زوارها بنيت بطرازات معمارية أندلسية وفرنسية وانگليزية ونيبالية ربما ! دون توحيد ولا تأطير ولا إبراز لنموذج معماري موريتاني.
تحريك السفراء في نفمبر 2018 مناسبة للتساؤل حول الأهداف المتوخاة والمرسومة أصلا من ولسفاراتنا وأين هي منها ؟ وماهو النموذج الموريتاني المتفق عليه صناعة وثقافة وتجارة وعلما ؟ ثم لماذا لم نهتم حتى الآن بفتح سفارات في جنوب شرق آسيا الناهض ؟ خصوصا المربع الإسلامي باكستان بانغلاديش ماليزيا واندنوسيا؟ وأين إعادات الفتح لسفاراتنا في كندا والأردن والغابون مثلا؟
حين تدخل إحدى السفارات الموريتانية يخيل إليك أن الأنموذج الأوحد الذي نستطيع تقديمه هو تقليعات الأطفال في الثلاثينيات من القرن الماضي ومشاهد الريف والركبان على رواحلهم؛ وخيام الوبر وتلاميذ المحاظر. وهي كلها مشاهد جميلة وأصيلة؛ لكنها غير معبرة عنا في أيامنا فنحن لم نعد في عالم المزاج، إذ كل صورة تحمل رسالة مهما تعددت أو تناقصت ألوانها ولا ينبغي التفريط في قيمتها ولا طبيعة متلقيها.
أعتقد أن تحريك السفارات وشحنها بما ينفع البلد شيء ملح هو الآخر ربما أكثر من تحريك السفراء وإشحانهم خارج البلد وداخله.