الاستبداد يقتل الإبداع ويحاصر الأنفاس ويفرض على الناس ما لايريدون ، الاستبداد يجعل الإدارة خادمة للحاكم ويعلي من شأن التزلف ويقدم الولاء والتبعية على الكفاءة والإنجاز ، إذا واجهت السلطة لا ملجأ غيرها فالقضاء تابع والاعلام موجه أو متحكم فيه الاستبداد يجعل الشعب للدولة وعموم الناس أجراء عند السلطة ، الاستبداد يجعل الإنسان شيئا والتنمية معه - إن كانت - مؤقتة ومحدودة ومجيرة وممنونة ، ومن هنا لا نستغرب تكرر قصة فرعون في القرآن الكريم للتدبر والعبرة و الذي كان شعاره ماأريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد
أما الديمقراطية فحكم الناس بما يريدون ، تفصل بين السلطات ، في ظلها يتحرر الإنسان وتتفتق إبداعاته ، يقرر الناس من يحكمهم فإن ضجروا أو حكموا على سلطتهم بسوء التسيير والتدبير وفرت لهم الديمقراطية السبل السلمية المناسبة لاختيار جديد لحكم جديد ،في الديمقراطية تغلب الكفاءة الولاء وتعلو المهنية على التزلف والنفاق -الاستثناءات الموجودة لا تنقض القاعدة العامة - وفي الديمقراطية إذا ظلمك الحاكم تلجأ إلى القضاء وتستنصر بالاعلام ، وفيها الدولة دولة الشعب والحاكم أجير عند الناس ، التنمية في ظل الديمقراطية - إن تحققت - تكون مؤسسية وعامة وذات استمرارية ، ولذلك لا يكون الإمام إماما والناس له كارهون ويكون مستحق العزل - في الحد الأدنى - من دعا إلى إمارة نفسه أو غيره دون مشورة واختيار من المسلمين .
قد يحدث مع هذا المستبد أوذاك بعض خير وبعض إنجاز ولكنه يظل عابرا ومجيرا وبلا أفق ، وقد يحدث مع الديمقراطية بعض فساد وبعض حيف وفشل ولكنه الاستثناء وتملك الديمقراطية آلية التصحيح والاستدراك .
كل خطوة نحو الديمقراطية هي في الاتجاه الصحيح وكل خطوة في تكريس الاستبداد أو الأحادية هي في الاتجاه الخطأ ،فلينظر كل أي الاتجاهين أفضل .
رحم الله العلامة محمد الطاهر بن عاشور فقد كان من أبرز وأوائل علماء الأصول والمقاصد الذين جعلوا الحرية من آكد وأهم مقاصد الشريعة .