تغريد خارج السرب : الرعية على قلب من ؟
بعد صلاة الصبح توجهت باكرا إلى المكتب الذي سأصوت فيه وهو قريب جدا من منزلي في نواكشوط ولتلافي طول الانتظار في طابور الناخبين قمت بأخذ ( الاحتياط الثقافي اللازم ) في مثل هذه المناسبات قبل الدخول إلى صندوق الاقتراع
حملت معي من مكتبتي رواية الكاتب امبارك ولد بيروك le griot de l'èmir والتي سبق ان اقتنيتها قبل أشهر قليلة من إحدى المكتبات في تونس ورغم أنني قرأتها كاملة حينها فقد وجدت فرصة اليوم أيضا لاعادة قراءة هذه الرواية في طابور الانتخابات فربما وجدت في أجوائها السردية من الناحية التاريخية والثقافية والسياسية ما يمكن ان يتنزل بمعنى من المعاني في السياق العام للمجتمع الموريتاني الذي يتوجه اليوم للمشاركة في هذه الانتخابات
كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف صباحا عندما أخذت مكاني في الطابور وقد وجدت امامي عددا من ( طيور الفجر ) رجالا ونساء مرابطين في المكان وكأنهم قد باتوا ليلتهم هنا بهذا الصعيد السياسي منهم قيادات بارزة في أحزاب سياسية معروفة و"مناضلون ومناضلات" من مختلف الجهات والتيارات
استغرقت في قراءة الكتاب بعد تبادل التحية مع الحضور وهي فرصة أيضا لتجنب حوار مفتوح بين ألوان الطيف الموجود في الطابور كان يمتد في كل الاتجاهات من طريقة التصويت إلى مستقبل استمرار الرئيس الأمريكي ترامب في السلطة !! وصولا إلى شور سيني في الموسيقى الموريتانية ومواضيع أخرى كانت طرائق قددا عندما التحقت بالركب
صحيح أنها كانت حالة نشاز فلا معنى بالنسبة للكثيرين للقراءة في طابور الانتخابات فالجميع إنما جاء لقراءة من نوع آخر هي قراءة الطالع السياسي وقراءة الحظ وقراءة ما بين السطور والالوان والعلامات والرموز المتشابكة التي لا تكاد ترى أحيانا بالعين المجردة فيها كل رموز الكون وما فيه من حيوانات مفترسة وأليفة وكل ما يخص عادات وتقاليد المجتمع المحلي من إيحاءات المخيال الشعبي باستثناء القلم والكتاب وفن أزوان !
صبرت على هذه الحالة من المنفى الاختياري خاصة وان البعض من مختلف الجهات كان يرمقني بنظرات أشبه بالاستغراب في ساحة الانتخاب وفي الأخير لم انتبه من هذه العزلة الشعورية الا عند الساعة الثامنة والنصف - اي بعد زهاء ساعتين - وقد نادى المنادي علي من قريب ( بوي هاه صاحب لكتاب اتفضل اطلسنا ذا ماهو بل لكرايه ولا لكتوب ) كان أحد حراس مكتب التصويت حراس المستقبل تفاؤلا
دلفت سريعا وتأبطت معي خمسة أمتار طولا وعرضا ألوانها فسيفساء متداخلة تشبه حالة مزاج سياسي نكد؛ هي عدد اللوائح المعنية بالتصويت وبدأت قراءة رواية أخرى ربما يكون العنوان المناسب لها ( الأمير وقلب الرعية ) فصولها بدات الآن وقد لا تنتهي غدا للناظرين من وراء ستار !