فاطمة بنت محمد الأمين ولد انجيان
عام بعد عام تمر ذكرى استشهادك يا أبي ولم يتغير شيء...
لا زال الوجع موغل في الألم يا أبي ...
في الذكرى الرابعة عشر لذكرى استشهاد والدي أعيد نشر جروح نازفة.
لا زال كل شيء يذكرني بك ...
كل شيء يجعلني أفكر ألف مرة كيف كنت مختلفا لهذا الحد ...
كيف كان إيمانك بهذا الوطن وشعبه قد جاوز الحد ...
كيف صرت أبي و كيف علمتني كل قيم المحبة و الوفاء ...
أبي تمر اليوم الذكرى الثالثة عشر لاستشهادك ...
ولا يزال هذا اليوم يمر ببطء بكل ثقله ...
كل أسئلته ؛كل صدمته على الجروح النازفة ...
لا زال في كل ذكرى يذكي جذوة التوق للعدل والإنصاف في عتمة الحقيقة ...
أبي ...
13 عاما بعد رحيلك ولا يزال الأمر على ماهو عليه ...
13 عاما وكل المعاني الجميلة تخذلني ...
حتى حروفي تخذلني في عجزها عن التعبير ...
خيبة بعمر قضيتك وبعمق الحزن والألم اللذان خلفتهما ...
أبي ...
منذ أيام جاءني أحد الشباب الثائر ...
يسألني إن كنت استمعت لشهادة من يسمون نفسهم بالفرسان في حق بعضهم مشيرا تارة إلى المعلومات الجديدة بشأن تورط إحدى الدبابات التابعة لمتزعم المحاولة الانقلابية الفاشلة الزاعم لبطولة وجدت فقط في الخطابات ...
كان زائري أحد ضحاياها ...
بدأ الشاب على عجل بسرد بعض الحكايات أشفعها بجملة من الأسئلة الحائرة وختمها بعرض لاستعداده التام للمساعدة في كل ما من شأنه خدمة الحقيقة والقضية ...
كانت ملامح جليسي توشي بخليط من الغضب والحيرة والصدمة ولم تخلو أيضا من عتب على ما اعتبره صمت غير مبرر ولا مقبول خصوصا في هذه الظرفية ...
إلى ذلك النبيل الصادق أقول ...
ضع كل غضبك وكل الصدمة وضف الألم والخيبة واضربهم بعدد آهاتي وآهات أمي وإخوتي وكل عائلات من خاضوا المِحنة في ذلك الحين من عسكريين ومدنيين ...
جرب مثلا شعور أن ترابط دبابة أمام منزل عائلتك المكونة من أم وبناتها وابنها البالغ أربع سنوات فقط وتكتشف بأن فوهة الدبابة كانت موجهة باتجاه باب المنزل ...
جرب أيها العزيز أن تحس بعض ما عشناه عندما كنّا نرى في خضم فوضى القذائف وحمم البارود وبينما نفوسنا ترعى بين الخوف والرجاء أناس يفترض بهم أنهم نخبتناوهم يهللون لقصف يريعنا ويعصف بما تبقى فينا من صبر وجلد ...
جرب شعور أن تتجرع الفشل وأنت تفشل في تفهمهم و تسأل نفسك كيف لم يقدروا أن تلك الشاشات البائسة ببؤس ذلك اليوم كانت هي الملاذ الأخير لنا وأمثالنا للبحث عن صدقة خبر مطمئن ولو كاذب عن أب عن أخ عن خال عن أسر بكاملها شاء القدر أن يوجدوا في محيط دوامة النار تلك ...
جرب أن تسأل نفسك كيف لم يستحق عزيز عليك ولو أمنية صغيرة بالسلامة ...
دعك أخي من كل ذلك وجرب معي أن تعيش شعورا آخر عندما يتحول بقدرة قادر المتهمون الرئيسيون إن لم أقل المجرمون وحق لي ذلك إلى أبطال في تسلسل يشبه مسلسلا رديء القصة والإخراج...
والبراءة تلك لم تكن من قبل قضاء جائر أو عادل ولم تكن نتاجا لتحقيقات خالصة أو ملفقة ، وإنما نتيجة شهادة متهم لنفسه وجدت صداها وتقبلها في موسم سياسي بغيض ...
جرب شعور الثكالى وهن يرين ويسمعن بعفو يمحو العقوبة والإدانة معا ...
جرب شعورهن وهن يجبرن على رؤية حلمهن بالعدالة يضيع بين أروقة السياسة وداخل قبة البرلمان ...
جرب أيها الطيب إحساسك وأنت تحاول التماس بقية عذر لأصدقاء ومعارف يعزفون على وتر فاجعتك وهم يمجدون أبطالهم الجدد ...
جرب عزيزي شعور أن تستميت لتكون هادئا مسالما طيبا موضوعيا وأنت تتجرع التعود على حكمة مفادها أن الضربة لا توجع إلا صاحبها ...
جرب شعور أن ترى بعضا منك يوشك أن يدمن الأدوية المنومة في محاولاته الهرب من رؤية وجوه وسماع أصوات وأسماء تذكر بالفقد والحق الضائع ...
عزيزي النبيل دعك أيضا من كل ذلك وتعال لنحاول أن نجرب معا أن نعيش شعور صغير النقيب الشهيد محمد ولد وداعة الذي ولد بعد استشهاده ...ت
رى كيف كان يشعر وهو يفتش في تاريخ والده فلا يرى ما يبرر كل هذا الصمت والتجاهل اتجاه ضابط نزيه لم يعرف عنه في المؤسسة العسكرية غير التفاني والاخلاص والانضباط والتدين ولم يترك له إلا تركة الشهداء من العز والشرف ...
ترى كيف تعايش مع هذا الاهمال وكل هذه القسوة ...
أين هو الآن وكيف عساه يكون ؟ ! ... كيف تفهم عدم إثارة قضية والده ؟ ألم يكن نفسا ؟ ألم يكن مسلما ؟ ألم يكن بطلا ؟!! ...
وماذا عن الآخرين ... وما يضير أي منا أن يحاول ولو ليوم واحد أن يختبر شعور الضحايا ... كل الضحايا فالعدل يقتضي المساواة لا الانتقاء ...
كنت قد أخبرتك في جلستنا تلك ولم أكذبك أني لم أشاهد أي من الحلقات التي تحدثت عنها وأني تعودت طوال السنين الماضية أن لا أنظر ولا أستمع لمن تسيئني رؤيتهم وسماعهم ...
كما أخبرتك أن الحالة الوحيدة التي يمكنني أن أرغم نفسي فيها على ذلك هي عندما يقدمون إفاداتهم من وراء القضبان كمتهمين لا كشهود ...
لكن وتعليقا على بعض من المعلومات "المتأخرة"الواردة في مقابلة لأحد رفاق المنقلبين أضع بين يديك بعض الصور المؤلمة والمعلومات المتراكمة ربما تعينك على محاولات الفهم في الطريق إلى الحقيقة ...
لم تكن الجريمة الوحيدة في تلك الأحداث هي تصفية أبي حيث وصلت الحصيلة الرسمية الإجمالية للمحاولة الانقلابية الفاشلة ليوم الثامن من يونيو 2003 ما يناهز 15 قتيل و 65 جريح منهم من صاحبته عاهة مستديمة بفعل الإصابة ... من المسؤول عن كل ذلك ؟ وما مستوى الوقاحة في تجاهل كل هؤلاء ؟!!..
لقد وللعودة لموضوع والدي لقد كانت أسباب الوفاة بحسب معاينة جثمان الفقيد رحمه الله وشهادة الوفاة بعد قضاء الله وقدره هي استقرار شظية من قذيفة دبابة بمؤخرة الرأس بعد أن انفجرت عند نافذة المكتب قبالة الباب الرئيسي لقيادة الأركان في الساعات الأولى من فجر اليوم الأول للمحاولة ... من كان يسيطر حينها ؟! ومن يقود المدرعات ؟!!!
تم نقل جثمان الوالد رحمة الله علينا وعليه من مسرح الجريمة بعد مرور 24ساعة على استشهاده بقيادة الأركان أي في صبيحة اليوم الثاني للمحاولة الانقلابية الموافق ٩ يونيو إلى المستشفى العسكري للمعاينة قبل الشروع في إجراءات التشييع والدفن ...
تشير المعلومات الأولى حينها عن إنقطاع الاتصال بقائد الأركان مباشرة بعد قصف مكتبه من قبل دبابة تابعة لقائد المحاولة الانقلابية بعد تعثر مساعي للحوار بين الطرفين لتسري شائعة بإصابته قبل أن يتأكد لخبر الوفاة ...
هل تعلم أن الأسرة تقدمت رفقة أسر الشهداء والمتضررين بتقديم دعوى ضد قادة المحاولة الانقلابية بعد أيام من الفاجعة و نتيجة هرب المتهمين لم تتابع الأمر الذي اعتبرته قد انتهى بمجرد اعتقالهم ومحاكمتهم قبل تفاجأ بمسلسل العفو وما تلاه ...
هل تعلم بأن المعلومات المتداولة تحدثت أيضا عن تحقيق سري تم حينها بإشراف من قيادة الدرك ونجل الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطائع وأنه خلص بتأكيد ضلوع قائد المحاولة الانقلابية بتصفية قائد الأركان أمن المعقول أن يتم تجاهل كل ذلك لأن المتهم أنكر وشهد لنفسه ... ماذا عن بقية الضحايا ؟!! ...
أليس لي العذر بعد كل ذلك لأقاطع كل هذه الوقاحة والإجرام ...
للأسف الشديد كان التعاطي الإعلامي باهتا وسيئا إلى حد كبير عندما ساير ودعم الاستخدام السياسي للقضية لتبييض ماض ملطخ بالدماء أو للنيل من أحد الخصوم السياسيين و في المرات القليلة الخجولة التي سلط الضوء على قضية الوالد بشكل مقبول كان في الجانب الإنساني لما أخطه من ذكريات جمعتني به رحمة الله ...
سأدعوك أيضا لمشاركتي بعض الأسئلة المشروعة التي لا تنفك تدور بخلدي ...
إذا كانت القاعدة الأساسية لنجاح أي انقلاب هي السيطرة على شخصين هما الرئيس وقائد الأركان فكيف بالله عليك يريدونني أن أفكر بأنهم اتفقوا على أن يعرضوا الرئاسة على والدي ...
كيف ؟!! ومتى ؟!! أأثناء المحاولة أو بعد نجاحها لا قدر الله ؟!! لنفترض أنهم قرروا ذلك أثناء المحاولة هل كان رحمه الله ممن تمكن استمالته بعروض سلطوية ؟!! هل كان ممن يخون المسؤولية بدافع الجبن أو الطمع ؟؟! ...
سأترك لك أن تجيب بنفسك وامنحك خيار الاتصال بالتاريخ لكني سأضيف سؤالا أخيرا هو ماذا لو رفض قائد الأركان الإذعان للمنقلبين ؟ ... مهما كانت الإجابة في ما حدث بالفعل وما سوف تكشف عنه لا محالة الحقائق التي بدأت بالفعل تجد طريقها إلى النور وإن تأخرت وتعثرت ...
عزيزي محمد أعرف أنني أثقلت عليك وعلى نفسي وحروفي التي تقاوم كل هذه المشاعر وكل هذا الغضب ... سأحاول أن أتحرر لبعض الوقت من هذا الشعور وأعود لتجرع الموضوعية القاسية وأقول لك أني مستعدة لتقبل كل الفرضيات والاستماع لكل الحكايات لكن بشرط وحيد أن لا يتحول فيها المتهم الرئيسي لشاهد قضية ...
اللهم ارحم شهداء الثامن من يونيو جميعا واغفر لهم وتجاوز عنهم واعف وارحمنا اللهم إذا صرنا إلى ما صاروا إليه وبارك اللهم في خلفهم واحفظهم واحفظ موريتانيا وسائر بلاد المسلمين والمؤمنين بجاه وبحق سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم