إذا جاز إطلاق لقب "الملياردير الفقير" على شخص في موريتانيا، فيمكن إطلاق هذا اللقب على "الشيخ الرضى الصعيدي" الذي كان قبل عام "مليارديرا" لا يتردد سكان نواكشوط في منحه عقاراتهم التي تصل أسعارها لعشرات الملايين من الأوقية، مقابل ورقة فقط، يؤكد فيها استعداده دفع مبلغ خيالي لهذا العقار في غضون أشهر، في واحدة من العمليات الغريبة التي يمكن وصفها بـ "غير المضمونة وغير المسؤولة اقتصاديا".
تقرير الربيع ولد إدوم
اليوم يحلب الرجل ناقتين أهداهما له أحد "المحبين" ويشتري طعامه بما يجنيه من ثمن حليب الناقتين، ويسجل "فوكالات" ويرسلها على الواتساب طالبا من الدائنين الإنتظار الى "أجل غير مسمى".
انها عملية معقدة تلك التي أدت الى هذا التحول الجذري، لكن كما يقولون: انظر كيف بدأت قصة ما، لتعرف كيف ستنتهي.
بدأت قصة الشيخ الرضى غريبة كـ "أفلام السينما" وانتهت كــ : "مسرحية"، لكن الأهم فيها أنها بدأت "كوميديا" وانتهت "تراجيديا".
الشيخ الذي استثمر في خطط تجارية غريبة على سوق العقارات، يجد نفسه اليوم أمام مأزق خطير متعلق بأن أغلب الدائنين بدؤوا يفقدون القدرة على ضبط النفس أمام الوعود التي لا يتم الوفاء بها، لذلك فالأجهزة الأمنية لا تجد أمامها من خيار سوى محاولة تأمين الرجل خشية حصول اعتداء قد يغير مجرى الأحداث.
في 2017 بالتحديد بعد عشر سنوات من عقد الصفقات بشراهة، بدأ جدل كبير في موريتانيا حول طريقة الشيخ الرضى في أخذ عقارات الناس، وتهربه من تسديد الديون، ليكتشف المراقبون لاحقا انه أصلا لا توجد خطط لتسديد الديون.
قبل ذلك سجل بذخ غير طبيعي لدى مجموعة الشيخ الرضى والمقربين منه، وأصبح بعض تلامذته فجأة أثرياء، وأكثر ما يثير الدهشة هي ان تلامذة الشيخ الرضى يقودون ارقى السيارات في شوارع نواكشوط، ولكنهم لا يشترون هذه السيارات، انهم فقط يؤجرونها من وكالات تأجير السيارات لأشهر ولسنوات، انهم ايضا لا يغسلون دراريع "أزبي" الغالية التي يرتدونها، بل يقومون فقط بارتداء دراعة جديدة كلما اتسخت احدى الدراريع، هذا ما يقوله سكان نواكشوط عن الرجل الذي خرج فجأة من "خلوته" ليثير كل هذا الضجيج.
من بين القصص المثيرة التي اعتمدت عليها شخصية "الرضى" الأسطورية، أن امرأة أنبها الناس لأنها باعت منزلها للشيخ الرضى على ان تحصل على المال لاحقا، فذهبت الى بيته وعبرت عن مخاوفها، فرق لها الشيخ الرضى، وقال: ردوا إليها بيتها وأعطوها المبلغ الذي كنتم ستشترونه به.
القصص لا تنتهي في الحقيقة - وهي خرافية في بعض الأحيان- عن عطايا الشيخ الرضى، ولكن بعضها تحقق فعلا، بحسب مصادر متطابقة، لقد قام الشيخ بإعطاء بعض الأشخاص مبالغ لم يكونوا يحلمون بها لمجرد أنهم جلسوا اليه وتحدثوا عن حاجتهم، كان ذلك كرما، او ربما دعاية بالنظر إلى ما تبعه من عدم تسديد الحقوق.
ورغم ان البعض يعتقد أن هذه العطايا نقطة تحسب للشيخ، إلا ان الأمر ليس كذلك في الغالب، فهو عطاء من لا ملك (الشيخ) لمن لا يستحق (من يمدحونه طمعا) ولاحقا سيتوب الشيخ عن هذه التصرفات في تسجيل صوتي معتبرا إياها ذنبا، وهذا مهم خصوصا لان قضية الشيخ الرضى ظلت دائما تقدم بمبررات دينية.
ان القصص التي حيكت في أيام "العز" الخاصة بالشيخ الرضى كثيرة لكن لنضع الأمور في نصابها.
الشيخ الرضى في كل الحالات أقدم على اخذ عقارات لا حصر لها، في كل مكان من العاصمة نواكشوط وبعض مدن الداخل، تراكمت عليه ديون بالمليارات، واليوم هو عاجز على ما يبدو عن سداد هذه الديون، فيما تتواجد عناصر أمنية على أبواب قرية التيسير التي يقيم فيها مخافة الاعتداء عليه.
السؤال الاهم الذي لم يطرح كثيرا: اين ذهبت الأموال التي أخذها الشيخ الرضى، والتبرعات التي حصل عليها بعد ان اعلن "شبه افلاس، فيما أنفقها؟ اليس ذلك أيضا سؤالا مهما في الثقافة الدينية؟
مؤخرا وبالتحديد في 15 مايو الجاري كان هنالك اجتماع مهم، ومصيري لعدد كبير من الدائنين، فشل الاجتماع، وجد الدائنون مزيدا من الاعتذار، وتم في مشهد "مضحك مبكي" عرض اسهم في شركة للفوسفات لا تبدو امورها واضحة تماما للدائنين ولا لغيرهم نظرا لعدم تراكم تجربتها وعدم وضوح هويتها.
لقد تواصلت وقتها مع شاب بلغت ديونه 30 مليون اوقية في جماعة الشيخ الرضى، قال لي بالحرف: "انهم يكذبون".
وقال لي آخر بلغت ديونه 14 مليون هي في الاساس نتيجة بيعه لعقار يعتبر تركة بينه وبين اخوته: "اخشى ان ألتقي بأحد من مجموعة الشيخ الرضى، لأنني ربما افقد صوابي وأسيئ اليه بلساني او بيدي".
هذه التعبيرات مهمة، لان فقدان الشيخ الرضى لهيبته كشيخ جاء بسبب أخذه لأموال الناس، وهذا يعني انه ومجموعته لم يحترموا المكانة التي كانت الناس تضع فيها الشيخ الرضى، والموريتانيون يقولون انك اذا اردت الحفاظة على "الهيبة" فتقريبا عليك ان تصعد بها على شجرة، بمعنى ان تبتعد بها عن الخلافات الصغيرة.
هنالك نقطة مهمة يجب عدم اغفالها في قضية الشيخ الرضى، وهي الخوف الشديد الذي هز المؤسسات الاعلامية وقيدها عن معالجة قضية الشيخ الرضى بشكل موضوعي.
حصل ذلك على ما اعتقد لسببين: اولهما الاستفادة المباشرة لعدد من وسائل الاعلام من "عطايا الشيخ" وهداياه، والثانية هي تقديرات عدد من المؤسسات الاعلامية بان معالجة موضوع الشيخ الرضى محفوفة باكراهات كثيرة تتعلق أساسا بالمجتمع وموقفه من الأشخاص ذوي المكانة الدينية، وفي عز أزمة الشيخ الرضى غابت الدور الاعلامي الحقيقي الجاد.
ليس هذا وحده، فاجهزة الرقابة الحكومية تغافلت عمدا عن الموضوع، اعتبرته غير موجود، ولعل هذه اخطر طريقة يمكن التعامل بها مع موضوع بحجم موضوع الشيخ الرضى، انه بمفهوم القانون الجنائي "جريمة سلبية" تتضمن مراقبة فساد عام دون بذل أي جهد للحيلولة دون نتائجه الكارثية.
يجب ايضا لفت الانتباه الى قدرة الشيخ الرضى ومجموعته على إحباط كل محاولة لتقديم شكوى الى العدالة بخصوص ديونهم.
انها عملية معقدة فالمتابع لمجموعة الشيخ الرضى لا يمكنه ان يتجاهل قدرتهم الكبيرة على فهم سيكولوجيا المجتمع، وتشابكه، وقدرتهم على التهدئة والوساطة، وهذا أمر مهم في مثل هذه الحالات، لكنها لا تبدو طريقة طويلة النفس، ففي النهاية ينفد صبر الناس، خصوصا ان الديون مرتبطة بعقارات كان اغلب الدائنين يسكنونها ووجدوا انفسهم في الشارع، مع الاخذ بعين الاعتبار ان المجموعات التقليدية لا يمكنها منع دائنين من المطالبة بحقوقهم امام العدالة اذا لم تتيسر طرق اخرى.
كما ان وجود ارامل واسر ضعيفة بين الدائنين، يجعل الشيخ الرضى في موقف صعب، ربما اضعف حتى من موقف "روبين هود" الذي تقوم اسطورته على سلب وسرقة الأغنياء لأجل إطعام الفقراء، الشيخ الرضى يقوم حتى بعكس ما يقوم به روبين هو، فهو يأخذ من الفقراء ليثري تلاميذه، وهذا بمنطق تحليلي يضعف حتى قدرته على جمع التعاطف، وهو اكثر شيئ يحتاجه اليوم.
وكما يقال: اذا دخل رجل دين الاقتصاد، فابحث عنه في السياسة، وذا دخل السياسة فابحث عنه في الاقتصاد، وعندما يخرج الشيخ الرضى من "خلوته" فابحث عنه في السياسة، فله بها اهتمام خاص.
وفي ظل اقبال حزب الاتحاد من اجل الجمهورية الموريتاني (الحاكم) في موريتانيا على حصر أنصاره في اكبر عملية انتساب تشهدها موريتانيا منذ 10 سنوات، تبرز مشكلة صغيرة تتعلق بان هذا الحزب الذي يتجهز لموسم حاسم تشارك فيه المعارضة في المعركة الانتخابية، لا يعرف تماما كيف يتصرف مع الشيخ الرضى، فالرجل يجمع انصاره ويوصيهم بالانتساب للحزب الحاكم، وترك هذه الشعبية دون احتضان يتنافى مع سياسة الحزب الذي يفتح أبوابه للجميع، ولكن الحضور المتنامي للشيخ داخل الحزب عن طريق مجموعة أنصاره، وله – في نفس الوقت- ضحايا بين المنتسبين للحزب، يجعل الوضع معقدا جدا، فضلا عن ارتباط صورة الحزب بالرجل وأزمته الغريبة التي يتم نقاشها في "تفرغ زينه" كما في "قندهار".
