
تمهيد:
سكان المنازل الإدارية الواقعة وسط العاصمة، يسكنون هذه المنازل منذ أنشئت بعيد الإستقلال ببضع سنين.
غالب السكان من الطبقة الوسطى، فمنهم الوزيرومنهم الأمين العام ومنهم المدير ومنهم من هم دون ذلك. ومن بين هؤلاء ضباط سامون، والغالبية العظمى متقاعدون.
العمر الافتراضي لهذه المنازل هو مابين الأربعين والخمسين سنة، وما إن انتهت الالفية الثانية حتى كانت تلك الدور في حالة تداعي كلي أو جزئي مما حدا بالبعض إلى إعادة بناء أجزاء منها أو ترميمها على نفقتهم الخاصة. مجمل عددها بالميئين.
تطور الطرح:
طرح ممثلو تلك المنازل وضعيتهم أكثرمن مرة منذ سنين مع تعاقب الأنظمة، فوعد للبت في الموضوع للخروج بحلول تراعي تاريخ ووضعية السكان والمساكن بما ينتهي إلى تسوية متوازنة على ضوء الحلول التي حظي بها سكان المنازل الإدارية في دول الجوار، دون جدوى لافتقار أصحاب القرار السياسي أنذاك للتوفيق.
كانت بعثة من البنك الدولي للإعمار قد عاينت هذه المنازل في التسعينيات من القرن الماضي وانتهت معاينتها إلى الخروج ببعض الخلاصات والتوصيات.
الخلاصة التي انتهت معاينة البنك الدولي تقول أن هذه المنازل قد استنفدت قيمتها وأنها في حالة تداعي وأن قيمتها لم تعد تتجاوز قيمة مساحة الأرض المقامة عليها وترى أن يتم التنازل عنها لصالح السكان بمقابل رمزي أو باحتساب مساحة القطعة بما يعادل ألف أوقية قديمة أو مادون ذلك للمتر المربع وكما حدث في كثير من الدول.
ثم إن لجانا وزارية وفنية شكلت على أثر ذلك واقترحت التنازل لصالح السكان بمبلغ يصل مابين ألفي أوقية قديمة وثلاثة آلاف أوقية قديمة للمتر المربع دون أن يأخذ المستوى السياسي قرارا بذلك لتصبح المسألة كالمعلقة نتيجة للتعطيل الإداري المزمن.
التعطيل الإداري هو انسداد الأفق أمام الإنسيابية في إنجاز المعاملات نتيجة لغياب الرؤية المتبصرة والمرونة ورح المبادرة لدى متخذي القرار فتتراكم الأعمال كتراكم الديون على الغارم المخلف وعده.
الإدارة هي محرك الدولة كالمحرك من السيارة وإذا ما تعطل المحرك تعطلت الحركة.
التيسير على الناس في حركتهم وفي سكنهم وفي معاشهم وفي تداويهم وتعلهم وسبل عيشهم فاتحة للإصلاح والتواني عن ذلك خاتمة للإفساد "من استعمل رجلا من عصابة وبينهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين" حديث شريف، "ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي أمرهم ورفق بهم فارفق به" حديث شريف.
فاتحة الفشل هي النفور من النصح فتراه ينفر مما هو خير إلى ماهو أسوأ نفور الحمر من الأسد الضارية "وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم" البقرة/ الآية 206.
ابتليت الإدارة الوطنية في بلادنا بنوعية من الموظفين تتحكم في مفاصل الإدارة والقرارهي في قطيعة تامة مع هموم المواطنين، بلغت بهم النرجسية حد الانكفاء، حدا جعلهم في واد والناس في واد وأصبحت الإدارة من جمود إلى تكلس نتيجة للجهل بمبادئ الإدارة العامة وسوء تقدير لعواقب الأمور إلا من رحم ربي منهم.
مقترحات اللجان المذكورة أنفا ليست بدعا من الأفكار والمقترحات فقد سبقتنا دول الجوار إلى اتخاذ قرارات وحلول لإشكالية المنازل الإدارية القديمة ولصالح ساكنيها فما إن طرحت المشكلة في تلك الدول في الثمانينيات حتى كانت الحلول جاهزة ليتم تنفيذها بعد ذلك بقليل من خلال التنازل لصالح السكان وبأثمان رمزية. حدث ذلك في المغرب في العام 1999 حيث تم التنازل عن عشرين ألف مسكن إداري لصالح ساكنيه وحدث ذلك في الجزائر في العام 2003 بحجم يقارب ما تم التنازل عنه في المغرب وحدث ذلك في السنغال ما بين التاريخين الآنفي الذكر، أما في فرنسا فإن الحل مستدام، فكلما حل التقاعد بمجموعة من الموظفين تقطن مساكن إدارية يتم التنازل عن تلك المساكن لصالح ساكنيها تلقائيا.
الطبقة الوسطى رافد من روافد التوازن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والمنعوي في المجتع وكلما كانت يد الدولة بيضاء حيال هذه الطبقة كل ما كان ذلك مدعاة للاستقرار وتهدئة الخواطر وأحرى بنيل ثقة المجتمع في الدولة كراع للجميع والعكس صحيح. فهل من موفق.
الخلاصة:
قد يقول قائل أن العائق الرئيسي هو صاحب القرار السياسي! وهل يعقل أن يكون المستوى السياسي هو المعطل لانطلاقة الإدارة في كفاءتها وفاعليتها وانسيابيتها وبالتالي هو المعطل لحقوق العباد. هل يعقل أن يكون البنك الدولي ألين وأرأف بالموطنين من صاحب القرار السياسي على مواطنيه. ألا يعلم أنه ميت "إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون" الزمر/ الآية 30 حينها يكون لسان حاله "قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون" المؤمنون/ الآية 100.
حل مشكلة هذه المنازل الإدارية بما ييسر ولا يعسر هو اعتراف بالجميل لسكان هذه المنازل في تاريخهم المهني ودفع لمستوى الطبقة الوسطى وتوسعة أفقية لها كامتداد ورافد للنمو ومصلحة لدولة اليسر والمواطنة وإزاحة هم ثقيل ومزمن عن كاهل الإدارة ونجاح لها في التعاطي بإيجابية مع هموم الناس وتوفيق من الله تعالى لمتخذ القرار السياسي يستوجب منه الحمد.
انواكشوط بتاريخ 27 جمادى الأولى 1447 هـ
الموافق 18 تشرين الثاني 2025م
**ـ عقيد متقاعد
من مواليد مدينة أطار الموريتانية
المؤهلات العلمية:
- باكلوريا وطنية
- ليسانس حضارة وإعلام ـ المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية
- بكالوريوس علوم عسكرية ـ جامعة مؤتة الأردنية
- ماجستير علوم عسكرية وإدارية ـ جامعة مؤتة الأردنية
- ماجستير علوم إستراتيجية ـ أكاديمية ناصر العسكرية العليا ـ مصر

