
يوافق يوم 24 أبريل من كل عام يوم الشجرة. كم مضى على استقلال البلاد وهذا اليوم يمر علينا مرور الكرام. نسمع جعجعة ولا نرى طحينا.
كم شجرة مثمرة غرست منذ استقلال البلاد قبل خمسة وستين عاما إلى اليوم؟
لا توجد في الذاكرة أرقام قلت أو كثرت.
كم نخلة غرستها الدولة في الواحات، كم شجرة مانجا غرست على أطراف المسطحات المائية الكثيرة وعلى ضفاف الأنهار؟ لا شيء على الإطلاق يمكن الاعتداد به أو جرده.
كم مساحة رعوية قاحلة تم استنباتها رغم أن الأمر لا يتطلب كثير عناء، وحدها الرؤية المتبصرة والإرادة القوية تكفيان.
في العام 1994 كنت في جلسة عابرة مع الرئيس آنذاك وكان الموسم صيفا وفي دردشة عن المناخ خاطفة سردت له مشاهد عشتها السنة الماضية. ففي أواخر يونيو من العام المذكور دعاني صديق عزيز علي من قرية علب آدرس لتمضية عطلة أسبوع معهم. مع خروجنا من العاصمة قبيل العصر شاهدت منظرا مفزعا. الرمال تكاد تبتلع الطريق من مدخل العاصمة حتى أبي تلميت وكانت الحرارة في أشدها والرياح عاصفة. بدا لي واضحا ان ذلك الطريق الحيوي يكاد يصبح أثرا بعد عين إن لم تتخذ إجراءات ناجعة.
قلت له أن الأوردنيين لديهم تجربة ناجحة في مكافحة التصحر. فكلما اقترب موسم الأمطار شتاء تبدأ الحملة لرمي البذور جوا في المناطق المتصحرة ويبدأ موسم غرس الأشجار في الأحراش فتأتي الأمطار لتكمل المهمة وبعد أسبوع أو إثنين تتلبس الأرض غطاء نباتيا ينمو مع السنين أشجار وأبا. كان الرجل مصغيا لما يسمع باهتمام بالغ. مع انتهاء السردية أخذ الهاتف وكان على الخط قائد سلاح الجو آنذاك "سيدي اتصل غدا بوزارة التنمية الريفية لتحضير أكبر كمية من البذور المختلفة امركبة، اتمات، أتيل، اسدر وغيرها لرميها قبل موسم تساقط الأمطار لهذه السنة على المحور انواكشوط وأبي تلميت والامتدادات شمالا وشرقا ولتكن الحملة لمدة شهر يوليو كاملا وسنوية". ما إن نظمت الحملة الأولى وتساقطت الأمطار حتى كانت النتائج مبهرة. لقد كسا غطاء نباتي الطريق على جانبيه وإلى منتهى البصر من أنواكشوط وحتى أبي تلميت وظل ينمو ويتكثف كابحا زحف الرمال المخيف وحتى اليوم. أكد لي الرائد طيار أحمد سالم ولد يحي رحمه الله المشارك في الحملة الجوية أن الحملة شملت مساحات شاسعة من البلاد شمال وشرق طريق الأمل.
لقد كانت أول حملة لاستنبات المراعي بواسطة الطائرات تشهدها البلاد تكللت بنجاح منقطع النظير. لقد ثبت بالدليل العلمي أن الغطاء النباتي مجلبة للغيث والبركة. إنها دعوة بالمناسبة لأهل البوادي والأرياف في الشمال وفي الجنوب في الشرق وفي الغرب وفي الوسط للذود عن مايوجد لديهم من غطاء نباتي هو عرضة للتقطيع الجائر وللإحراق المتعمد.
نحن الآن على أبواب يوم الشجرة العالمي الذي تفصلنا عنه خمسة أشهر أو يزيد كافية لجمع العدة والغرس والبذور والفسيل في بلد يعتبر التصحر من بين التحديات الأكثر لكل الخطط النموية في المجال الزراعي إن وجدت. كان الأولى أن تباشر التحضيرات منذ بداية السنة الجارية للموعد بكل ما يلزم فعله من جهد يؤسس لانطلاقة جديدة تبقى على مدار الأيام شاهدا على مباشرة الإصلاح.
توزيع الأشجار المثمرة على سكان انواكشوط بالمجان. فكل بيت يجب أن يتكفل بغرس شجرة أو أكثر، نخلة أو شجرة مانجا أو شجرة تين او شجرة زيتون أو شجرة موز أو شجرة ليمون أو رمانة أو شجرة عنب.
الأمر يتطلب استجلاب مئتي ألف فسيلة نخيل من دول الجوار الشمالي وما يماثل ذلك من كل نوع مذكور أعلاه موجود في الجوار الشمالي وإن لم يوجد ففي الجوار الجنوبي.
سيتغير مستوى معيشة سكان المدينة إلى الأحسن في سنين ثلاث وسيرتفع مستوى الوعي البيئي إلى ماهو أحسن وستكون التجربة الناجحة قابلة للتكرار في كل مدينة من مدن البلاد وفي كل قرية وريف.
بلدنا بلد زراعي واعد إن وجدت الإرادة والهمة الصادقة والمتابعة.
كل الشريط المحاذي للنهر بطول 813 كلم وبعرض 10 كلم (شمامة) قابل لاحتضان الأشجار الاستوائية، مانجا، موز، أناناس وحتى النخيل إضافة لكل أنواع الخضروات.
كل الشريط المحاذي للمحيط بطول 754 كلم وبعمق 10 كلم قابل لاحتضان أشجار منطقة البحر المتوسط، التين، زيتون، عنب، رمان، برتقال، تفاح، كمثري وحتى النخيل وكافة أنواع الخضروات.
الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فهل من سامع ينظر بعين النصح لرعية ابتلي بها وابتليت به أم لسان الحال يقول:
ناديت لو أسمعت حيا ولكن لا جواب لمن تنادي.
انواكشوط بتاريخ 24 ربيع الثاني 1447 هـ
الموافق 16 تشرين الأول 2025م
**ـ عقيد متقاعد
من مواليد مدينة أطار الموريتانية
المؤهلات العلمية:
- باكلوريا وطنية
- ليسانس حضارة وإعلام ـ المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية
- بكالوريوس علوم عسكرية ـ جامعة مؤتة الأردنية
- ماجستير علوم عسكرية وإدارية ـ جامعة مؤتة الأردنية
- ماجستير علوم إستراتيجية ـ أكاديمية ناصر العسكرية العليا ـ مصر
2