كتب الأستاذ المختار ول حامد في كتابه موسوعة حياة موريتانيا – التاريخ السياسي نقلا عن المؤرخ الآلماني فالنتين فرديناند مما جاء في وثيقته "وصف شواطئ غرب إفريقيا" والمكتوبة سنة 1507 م ما يلي :
" ذكره لجبل آدرار:
ثم تحدث عن جبل بافور حيث توجد أربع مدن هي: وادان، وآوليلي، وشنكيطي، وتينيكي وقرية تسمى فّره." ص. 88
تبدو المسميات معروفة فيما عدا "آوليلي" و "فّره"، حيث يكتب الأستاذ المختار على الهامش تحت الرقم (7) في ما يخص "آوليلي" :
"لا يعرف هذا الإسم اليوم إلا أن يكون أحد جزأي كلمة "سكليل" التي معناها بالصنهاجية عند الوادي، فيكون هذا الوادي (الليل) هو عين أهل الطائع."
وعن "فّره" كتب تحت الرقم (8) :
" أو فار لعلها فيرني من ودان"
دعونا نرجع قليلا إلى نص فرديناند لنلقي عليه نظرة أخرى ونجري مقارنة، ولكن دعونا نكتب مكان "وادان" الحرف (أ) لأن هذا الإسم ورد بصيغ مختلفة في مراجع مختلف البرتغاليين ومنها الذي بين أيدينا والذي يذكر "وادم" أو " أودم" حسب القراءة، وليس منهم من ذكر لا "وادان" ولا "ودان" بصفة دقيقة وسنحتفظ بالبقية كما هي، وسنكتب بدل وحدة قياس المسافة "الميل" كلمة "وحدة" تفاديا لتشتيت الإنتباه.
جاء في النص:
"من المدن تسمى الأولى (ألمتقدمة) (أ)، الثانية أوليلي أو أوليل (أوليل وردت على الهامش)، الثالثة شنكيطي، الرابعة تينيكي، والقرية تسمى فّارا. (أ) و أوليلي متقاربتان، من أوليلي إلى شنكيطي 4 وحدة، من شنكيطي إلى تينيكي 6 وحدة، ومن تينيكي إلى فّارا 2 وحدة."
بالتركيز على التسلسل الذي قدم فرديناند ومقارنته بمحاولة الأستاذ المختار لتحديد مكان أوليلي وفّره نجد أن آوليلي والتي كان من المفترض أن تكون الأقرب إلى (أ) صارت بوضعها عند عين أهل الطايع هي الأبعد على الإطلاق، وفّره والتي كان من المفترض أنها الأبعد صارت بوضعها عند وادان هي الأقرب، وهو ما يعني أنه لم يأخذ بعين الإعتبار التحديدات الجغرافية لفرديناند، وربما لسبب لم يفصح عنه اعتبرها غير ذات مصداقية، مع أنها لا تبدو كذلك البتة!
هل يمكننا على ضوء التناقض ما بين الوثيقتين اللتين بين أيدينا أن نحدد مكان أوليلي من دون التناقض مع الوثيقة الأصلية التي هي مرجعنا الوحيد عنها؟ من أجل ذلك سنحاول الإستعانة بوثائق أخرى ولنرى هل ستساعد.
جاء في الرسالة الغلاوية لمؤلفها سيد محمد الخليفة الكنتي المتوفى سنة 1826 م ما نصه :
"... وخرج باقيهم إلى وادان وإسمه إذ ذاك "أنوالان" معناه بالبربرية ذو الملاحس: أي التي يأوي إليها الوحش من سباخ اليطرون. وهو يومئذ دويرات وأخصاص تعمره تيزكّه."
وسيوضح الأستاذ الدكتور حماه الله السالم على هامش تحقيقه للرسالة المذكورة سنة 2007 وعلى الصفحة 218 وتحت الرقم 264 ما تعنيه "أنوالان" بما يلي :
"جاء في كتاب "الآبار" لإبن أحمد يوره أنوللان بما معناه : المملحة."
وفي كتاب آخر بعنوان "المُغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب" يقدم لنا الأستاذ حماه الله السالم في تحقيقه له سنة 2013 وعلى الصفحة 255 والهامش رقم 4 تعريفه لمعنى كلمة أوليل بما نصه :
"أوليل: أصلها في لسان صنهاجة: اننوللان: المملحة."
بربط هذه المعلومات نحصل على ما يلي:
- ودان = أنولان
- أنولان = المملحة
- المملحة = أوليل
وهو ما يعني رسميا أن وادان هي نفسها أوليل!
بمعرفتنا أن وادان = أوليل عرفنا مدينة أوليل أو أوليلي واستطعنا حل لغز لطالما أرق الباحثين في التاريخ، بل إن أغلبهم وقف عاجزا حتى عن مجرد التفكير فيه، ولكننا في نفس الوقت طرحنا مشكلة جديدة : كيف تكون مدينة وادان هي نفسها مدينة أوليلي وهي كذلك مدينة (أ) في نفس الوقت مع أن مدينة (أ) ومدينة أوليل مدينتان مختلفتان؟! الحقيقة أن البرتغاليين لم يذكروا أبدا مدينة وادان، وما ذكروا كبلدة كبيرة سنة 1452 هي مدينة مختلفة تماما، والحديث عنها هو مسألة أخرى.
يجب أن ألفت الإنتباه إلى ما ورد في نص فرديناند الذي بين أيدينا والذي يضع بصفة واضحة شنكيطي بين تينيكي ووادان، وهو ما أكدته أبحاثي، وأذهب إلى أن المدينة الأثرية التي اكتشفتُ في ترجيت هي تينيكي، أما أطلال "أدويرات" والواقعة ما بين شنكيطي ووادان فلا علاقة لها بتينيكي!
ربما ترغبون في معرفة ما هي "فّارا" .. قد أكتب عنها يوم أكتب عن مدينة تينيكي أو مدينة ترجيت الأثرية!
محمد ول هيين