استوقفني الحديث الدائر حاليا في وسائل الإعلام حول ترشيح فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني للدكتور سيدي ولد التاه لرئاسة البنك الأفريقي للتنمية بعد تجربته الناجحة في إدارة المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا. ولاشك أن هذا القرار الذي اتخذه فخامة رئيس الجمهورية يجسد الثقة العالية في معالي الوزير سيدي ولد التاه، ويعتبر بمثابة مكافأة لهذه الشخصية الوطنية لدعمها الصادق وتفانيها المطلق في دعم فخامةالرئيس وإيمانه بالنموذج القيادي والمسؤول الذي يدير به فخامة الرئيس مقاليد الحكم في البلاد.
تعرفت على الدكتور سيدي ولد التاه في جلسات خاصة قد لا يذكرها هو،وجلسات ومتابعات عامة بحكم موقع الرجل في صدارة الشأن العام، ولأنني لازلت أؤمن بقدرة أبناء هذا الوطن على النهوض به من كبوته فقد كنت مهتما بمتابعة سيرته ومسيرته، ويوما بعد يوم تزداد ثقتي في كفاءته كنموذج استطاع صناعة الفرق بإنجازاته في الداخل، ونجاحاته في الخارج التي مثل خلالها موريتانيا أحسن تمثيل، ورفع اسمها عاليا في المحافل الدولية ومن موقعه في إدارة المؤسسات الكبيرة التي قادها بكفاءة ونجاح.
وبالدخول إلى عالم الدكتور سيدي ولد التاه، نجد رجلا تمثّل مفهوم الدولة منذ نعومة أظافره، واستحضر بناء الوطن متسلحا بمعينه العلمي الواسع، فهو ابن أسرة أهل أحمد العاقل من جهة، وخريج الجامعات الفرنسية المبرزة من جهة أخرى، وليس سرا أن الدكتور سيدي كان أحد ركائز تنمية موريتانيا ما بعد2005 ، وأسهم في استقطاب أموال كثيرة لبلده مستثمرا علاقاته الواسعة التي بناها مع مسؤولي المؤسسات المالية العربية إبان فترة عمله الطويلة لديها، كما حقق نجاحات معتبرة في النهوض بالاقتصاد الوطني من خلال خفض معدلات التضخم ورفِع نسبة النمو خلال فترته وزيرا للمالية والاقتصاد.
والدكتور سيدي ولد التاه، كما عرفناه شخصية وطنية بامتياز، بعيداً كل البعد عن التمييز أو الطائفية أو الإثنية، كما هو بعيد كل البعد عن الجهويةوالمحسوبية، وهكذا عرفت فترة تواجده وزيرا توظيف العديد من أبناء موريتانيا من مدينة النعمة في أقصى الشرق الموريتاني إلى بير أم غرين في أقصى الشمال، وفي مختلف مناطق الوطن الأخرى مثل نجاغو ومقامه وكيهيديوسيلبابي، ولم ينقل أحد عن سيدي ولد التاه انتماءه لجهة على حساب جهة، ولاتحيزه لفئة على حساب أخرى، وهذا هو نهجه في إدارته للمؤسسات الكبيرة والعملاقة التي تولاها في الخارج، فقد كان فيها وجها موريتانيا مشرفا، كما استقطب لها من يستحق من أبناء وطنه حتى يكون له أثره من بعده، مع مراعاة التوازن بين جميع البلدان في التوظيف وعدم المساس بحصة بلد على حساب الآخر، وهو في كل ذلك يمثل كياسة الأسرة، وشهامة المجتمع، وهيبة الدولة، ولايزال بهذه الخصال والنجاحات وجه موريتانيا المُشرِق في بلاد المَشرِق .
والدكتور سيدي بتمثيله المشرف لنا كموريتانيين مقيمين في الخارج، لم ينطلق في هذا التمثيل من فراغ، فللرجل مسيرة حافلة في عالم المال والأعمال، حيثبدأ حياته المهنية إطارا في البنك الموريتاني للتنمية والتجارة، ثم عمل بميناءنواكشوط المستقل في مرحلة التأسيس وإدارته من طرف الإداري المتميز والكفء أحمد ولد الزين رحمه الله، قبل أن ينضم للهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي بالخرطوم (1996 - 1999)، و يلتحق بالعمل بمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، مكلفا بتشجيع الاستثمار(1999 – 2006 ) .
وفي ديسمبر 2006 تم تعيينه مكلفا بمهمة برئاسة الجمهورية، ثم مستشارا اقتصاديا للوزير الأول مكلفا بالبنية التحتية والتجهيز في أكتوبر 2007، وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى أن تم تعيينه وزيرا للاقتصاد والمالية في عام2008 ، وهي الفترة التي سيودع فيها مرحلة هامة من مراحل المشاركة في تنمية الوطن، ليغادر إلى المشرق من جديد، وهذه المرة لإدارة المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا بالسودان مرة أخرى، بأياد بيضاء وكمثال يحتذى في الاستقامة والنظافة والنزاهة المالية .
ويقول العارفون بالدكتور سيدي ولد التاه خلال فترة إدارته للمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا إنه حقق نقلة نوعية بعمل هذا المصرف جعلته يأخذا مكانا جديدا ومختلفا بين المؤسسات المالية الإقليمية، ومن تلك الإصلاحات الرفع من حجم العمليات التي تتم المصادقة عليها سنوياً (قبل الدكتور سيدي ولد التاه كانت مبالغ القروض ضئيلة لا تتجاوز في حجمها 10 ملايين دولار ولا يتجاوز مجموعها 200 مليون دولار سنوياً)، وقد تم الرفع تدريجياً ليبلغ سقف القرض الواحد 20 مليون دولار ثم أصبح 50 مليون دولار ويتجاوزها في بعض الحالات، إلى أن تم مؤخراً إلغاء السقف المسبق للقروض واستبداله بمؤشرات تتعلق بالبلد واقتصاده وطبيعة المشروع والمخاطر المرتبطة به، كما تم بالتوازي مع ذلك الرفع من مخصصات القروض للقطاع العام، حيث مرت من 200 مليون دولار إلى حوالي 500 مليون دولار في 2024، بعد الحصول على الموافقة من مجلس الإدارة بتخصيص موارد إضافية، ومن تلك الإصلاحات تنويع وتكثيف التدخلات في البلدان المستفيدة، وخلق ديناميكية جديدة عبر الاستجابة أكثر فأكثر لطلبات الدول، بحيث سيبلغ إجمالي القروض لفائدة مشاريع القطاع العام مليار دولار في 2025 . ومن هذه الإصلاحات أيضا تمويل عمليات جديدة لم تكن مألوفة في المصرف عبر المساهمة في زيادة رأس مال عديد المؤسسات المالية الأفريقية (بنك غرب أفريقيا للتنمية، الصندوق الأفريقي للتضامن...)، وتعزيز الشراكات مع الدول والمؤسسات النظيرة، وإبراز المصرف كشريك موثوق به، ويعتمد عليه في دفع عجلة التنمية في أفريقيا، والأهم من كل ذلك زيادة رأس مال المصرف من 5 مليارات دولار إلى 20 مليار دولار، ودخول السوق المالية وإصدار صكوك بقيمة 500 مليون يورو لأول مرة في تاريخ المصرف، ويذكر المراقبون كذلك الترقيم السيادي المشرف جداً للمصرف الذي تحصل عليه من ثلاث مؤسسات دولية رائدة في المجال، وما سيفتحه ذلك من آفاق وما سيكون له من أثر على عمل المصرف وعلى تحسين المحفظة والتسريع في وتيرة السحب. وقد ذكرت وكالة التنصيف المالي اليابانية إنه يلعب دورًا محوريًا في تحسين أداء ومستوى المصرف ليصبح مرجعية عالمية.
ولم تكن نجاحات الدكتور سيدي ولد التاه على المستوى المحلي أو الإداري فحسب، بل سجل حضوره في تصنيف ال 100 شخصية الأكثر تأثير في افريقيا، والتي تقود التحول الاقتصادي والمالي في القارة، وذلك للسنة الرابعة على التوالي.
هذه المزايا وغيرها من الإصلاحات التي يضيق المقام عن ذكرها أولا، ولعدم الحاجة لجردها ثانيا إلا من باب الاستشهاد كمثال لا الحصر، تجعلنا فخورون بمثل هذه الكفاءة المرموقة، وممتنون لقيادتنا الوطنية على حسن الاختيار لمن يمثل موريتانيا في المؤسسات الدولية، وتجديد الثقة في من يستحق تجديد الثقة منها كالدكتور سيدي ولد التاه، وهو ما يؤكد للجميع أنه من مصلحة افريقيا والعالم العربي اختيار الدكتور/سيدي ولد التاه على رأس إدارة البنك الأفريقي للتنمية، وهي مناسبة لأن نقترح على مجلس إدارة المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا الذي يديره حاليا، الإبقاء عليه والتجديد له مديرا للمصرف، إلى جانب رئاسته المرجحة للبنك الافريقي للتنمية، فهو أهل لتلك المسؤولية، وأهل لإدارة هاتين المؤسستين الماليتين بخبرته وحنكته التي تدعمها وتعززها علاقاته الوطيدة بكبار المانحين العرب والأجانب وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية الشقيقة التي تربط الدكتور سيدي بها علاقات خاصة ومتميزة، والتي تعززت مؤخرا بجعل الرياض مقرا للمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا، وهو مكسب استثنائي للمصرف دون شك، هذا إلى جانب العلاقات الطيبة التي تربطه بجمهورية الصين والاتحاد الأوروبي، وكذا الجمعيات وهيئات التمويل والمانحين الدوليين.
سيدي محمد ولد البكاي
إعلامي مقيم في دولة قطر
وعضو اللجنة التأسيسية لشبكة الكفاءات الموريتانيين في الخارج