تدني النجاح في المسابقات قنبلة موقوتة تهدد مستقبل البلد / محمد ولد المنير

سبت, 24/08/2024 - 15:52

 

أظهرت نتائج دخول الإعدادية وجود مؤسسات تعليمية لم ينجح منها تلميذ واحد. بل هناك مراكز نسبة النجاح فيها صفر. 40 % من التلاميذ، حسب الولايات، رسبوا هذه السنة في مسابقة دخول الإعدادية، وعلى الأرجح، رسب هذا العام حوالي 70% في الباكالوريا. 

أين سيذهب كل هؤلاء التلاميذ ؟ ما هو مصيرهم ؟  المرعب أن هذه الأرقام المخيفة تتراكم منذ سنوات. في الحقيقة، هي ليست مجرد أرقام. وراءها حالات نفسية، اجتماعية وإنسانية…أجيال و أحلام ضاعت في التسرب المدرسي والانقطاع المبكر عن الدراسة وضعف الأداء التربوي.

تعتبر نسب الرسوب هذه مؤشرا على الفشل الذريع لسياسات التعليم، وعلى تدني مستوى النظام التربوي، الذي يهدد مستقبل البلد. لذلك لا بد من دق ناقوس الخطر حول هذه الوضعية التي تتطلب إعادة النظر في أداء المؤسسات التعليمية، بما في ذلك إقالات وتسريح جماعي للمشرفين، والمعلمين والإداريين في المؤسسات التي نسبة النجاح فيها صفر. 

أما الحل البنيوي، فيكمن في جملة من الإجراءات الجذرية، والإصلاحات الجوهرية، تبدأ بزيادة كبيرة في الاستثمار العام في قطاع التعليم. يجب على الدولة أن تستثمر سنويا على الأقل %30 من الميزانية في التربية والتعليم، ولفترات طويلة. هذا خيار استراتيجي لا مناص منه. كل الوعود الانتخابية حول التعليم، والمدرسة الجمهورية، إن لم يتم تحويلها إلى حقيقة ملموسة في الواقع، ويتم تجسيدها في ميزانية الدولة، فستبقى فقط مجرد خطاب إنشائي، لا انعكاس له على أرض الواقع. 

كذلك، لا بد من تحسين ظروف الأسرة التربوية، وتحفيز الأساتذة الذين يقومون بعملهم بتفان ومهنية، بدءا بزيادة معتبرة في أجور المعلمين والأساتذة، (كما فعلت الدولة مع الحكام، والولاة، والقضاة)، حتى يتمكنوا من العمل باعتزاز وكرامة، وأن يقدموا الإنتاجية اللازمة من أجل أن يصبحوا طرفا فاعلا وإيجابيا في العملية التعليمية والتربوية. هذه الزيادة سترد الاعتبار لقطاع التعليم، ولمن أوكلنا إليهم السهر على مستقبل أبنائنا، وكلفناهم بتكوين، وتعليم، وتربية الأجيال القادمة.

إلا أن أحد العوائق الرئيسية أمام فعالية النظام التربوي هو التغيب الممنهج لكثير من المعلمين والأساتذة. إذا، لا بد من تشديد الرقابة الفعلية، وتفعيل آليات التفتيش، للحد من هذه الظاهرة الكارثية، خاصة في الداخل، حتى ولو تطلب الأمر طرد كل من تغيب عدة مرات دون تبرير، وإقالة وتسريح كل المشرفين والإداريين، المتواطئين مع المدرسين المتغيبين. كما يجب متابعة الأطباء الذين يصدرون شهادات صحية كاذبة.

لتشديد الرقابة، أقترح وضع رقم أخضر مفتوح مجاني، لتمكين الأسر من التبليغ عن التغيب، مما سيساعد المفتشين على مزاولة عملهم، عن طريق توجيههم مباشرة إلى الحالات المشتبه بها، كما يمكن التأكد من مكان وجود المدرسين المتغيبين مباشرة، عن طريق تحديد المكان الجغرافي. عندئذ سنكتشف أن جل المدرسين في الداخل موجودون في انواكشوط.

أنا على قناعة بأنه لا يمكن تطبيق خطة إصلاحية دفعة واحدة، ولكن يجب أن يكون هناك توجه استراتيجي يتم تحقيقه على مراحل، وأن تكون هناك إشارات حقيقية وقوية من الدولة للانطلاق في الإصلاح.

الهدف هو تحقيق قفزة نوعية في جودة التعليم، وأن نبني نظاما تربويا قادرا على ضمان نسبة %80 من التلاميذ الذين يجتازون مسابقة الإعدادية، و50% يحصلون على شهادة الباكالوريا، في السنوات الثلاث القادمة. لأنه من دون الرهان على الاستثمار في الموارد البشرية لن يكون هناك تجديد للنخب، مما قد يهدد مستقبل هذا البلد.

محمد المنير 
دكتور في العلوم السياسية

تصفح أيضا...