إلى إخوتي وزملائي،
هذه أول مرة أكتب مقالا عن والدي، وما كنت لأكتب لولا أنه قرر بالفعل مغادرة هذا العالم الأزرق، وشعرت بضرورة أن أودعه بهذه السطور، راجيا منكم جميعا الكف عن الإساءة إليه بلا سبب، أطال الله عمر آبائكم وفتح لهم بركات من السماء والأرض.
إنكم بالإساءة إليه إنما تسيئون لكل الآباء، ويتساوى في ذلك الأب الموظف والأب العاطل.
نشأ والدي محمد فال ولد بَلال، حفظه الله، وتربى على فكرة أن "الرجل في ما مشى" أو بعبارة أخرى "على الإنسان أن يحقق هدفه". وكان هدفه في الحياة أن يكون دائما في المراكز الأمامية. وسعى لذلك منذ صغره.
قص علينا أنه كان في المدرسة الابتدائية يحرص دائما على أن يكون له مكان معروف داخل القسم. و يبادر إلى الجلوس في الصف الأول، ويحرص عليه مهما حدث. وكان له ما أراد في المرحلة الابتدائية والثانوية حيث لكل طالب مكانه المعروف. ولكن اختلف الأمر بالنسبة إليه في مدرجات الجامعة حيث لا مكان محدد للطالب. وبهذا الخصوص، حكى لنا قصة طريفة وقعت له في يومه الأول بالكلية.
دخل الوالد وجلس كعادته في "الصف الأمامي". وبعد ساعتين، خرج في استراحة العاشرة وعاد متأخرا بدقائق، فوجد مكانه قد جلس فيه شخص آخر "طلب منه الوالد أن يعطيه المكان لأنه مكانه". "نظر إليه الرجل باستغراب ولم يرد. عندها شعر والدي بقلق وخجل على أنه سيكون في صف غير الصف الأول، رفض الجلوس وظل واقفا لمدة دقائق طويلة. استغرب الأستاذ عدم جلوسه كل هذا والوقت ولماذا؟ اقترب منه وسأله "ماذا يحدث"؟ قال إن هذا الطالب أخذ مكاني. نظر إليه الأستاذ باستغراب شديد، وقال له "نحن هنا في جامعة، لسنا في روضه أطفال"، ثم نظر إلى الطالب وخاطبه برجاء أن يترك المقعد للوالد. تقبل الطالب بصدر رحب؛ وعندها شعر الوالد بفرح كبير بأنه استرجع مكانه في الصف الأول.
المراد من هذه القصة هو أن أبي، حفظه الله، بقدر ما كان يحرص على أن يكون في المقاعد الأمامية، كان يحرص بالقدر ذاته على أن يحتفظ بمكانة قيادية أو متقدمة في كل ما مشى إليه.
هكذا في التعليم، لم يتخلف أبدا عن المراكز 4 الأولى من الابتدائية إلى الجامعة. وآخر مسابقة شارك فيها كانت مسابقة نظمتها المدرسة الوطنية للإدارة لتكوين إداريين مزدوجين (سلك تام)، حيث حصل على المركز الأول. وكذا في مساره السياسي والإداري، لم يتقاعس أبدا عن الرئاسة أو الهيئة القيادية الأعلى في كل الحركات والأحزاب والإدارات التي مر بها.
خلاصة القول، إن والدي، حفظه الله ورعاه، ما مشى في شيء إلا و وصل قمته أو اقترب منها. وهو ما زال على ما كان عليه من تصميم وعزيمة على أن يبقى كذلك.
أختم وأقول لزملائي الشباب، دعونا يحترم بعضنا بعضا،
اللهم اجعلنا خلَفا لا خلْفا.
سيدي عثمان ولد بلال