الزائر لمدينة مراكش، يتمشى في اروقة التاريخ و باحاته، مستنشقا عبق قوم مروا من هنا و ممالك و إمارات، شيدوا قصورا و جوامع و مدارس و باحات و اسواق، تشهد بكل تجرد، على ان التاريخ تريث هنا، حتى تلبسه المدينة الحمراء (هكذا يسمونها) صبغة خاصة بها.
مراكش مدينة تطل على بوابات الزمن، و فناءان التاريخ، و رغم مسايرتها للحداثة و التطور، من خلال فنادقها الفخمة و خدماتها ال 5 نجوم و شوارعها الواسعة الجميلة، فإن مراكش، تعود بزوارها، قرونا إلى الى الوراء و كأنها تقول لهم، انا التاريخ، هيا اشتموا عبقي، تعالوا سافروا في جوانحي، زوروا قصوري، امشوا في طرقاتي، متعوا عيونهم، فمن هنا مر الأمير يوسف بن تاشفين، و هنا الكتبية، هنا حديقة الماجوريل و هنا كان الموحدين و السعديين و المرينيين و هنا و هنا و هنا... تزودوا من صناعاتي النادرة، تذوقوا أطباقي الشهية، شاهدوا ما يدور في داخلي..فأنا مراكش، التي لا شك انكم قد سمعتم بي او قراتم عني و عن قصص اهلي و عن إنجازات بناتي، و عليكم تنتهزوا الفرصة، إذ ليس من رآى كمن سمع.
بدانا الزيارة بضريح الأمير المرابطي، يوسف ابن تاشفين، مؤسس المدينة و بانيها. يواجه الضريح، جامع الكتبية، حيث اكتشفت مؤخرا آثار مسجد المرابطين الذي بنوه ايام تشييدهم (1070م) للمدينة و و حكمهم للمنطقة جمعاء، الضريح يشهد حاليا ككامل الحي (حي المرابطين) عملية ترميم للبناية المحيطة به، نفس الترميم يشهده جامع الكتبية، الذي تاثر بالزلزال الأخير الذي ضرب المنطقة، لكن الواجهات، تبنأك بان ناسا كراما مروا من هنا، ناسا ابصموا على حقب تاريخهم، فبنوا مجتمعات و شيدوا عمارات و اسسوا لاقتصاد دائم، و و بكلمة واحدة صنعوا حضارة، ليست كالحضارات.
من مراكش، قاد ابن تاشفين جيوش المرابطين، إلى أوربا و ابلى بلاء لا زالت مراجع التاريخ تحتفظ به، و من مراكش عاصمة المرابطين، انطلقت الفتوحات شرقا و غربا و جنوبا، باعثة بذلك، النور السرمدي و مشعة سماوات البلدان بالهدي النبوي الشريف و عبادة الواحد الأحد، و انتشر الاسلام في المنطقة و بعد حملات نشر الاسلام، هدأ بال المرابطين، ليواصلوا بناء مدينتهم، و لم يتراجع دور مراكش و إشعاعها في حقب الموحدين و السعديين، الذين حكموها بعد المرابطين، حيث شيدوا و أعمروا...
مراكش بها آثار كثيرة و قصور رائعة، لا تخطاها عين الزائر، فهي تجذبك دون علمك لتأخذك إلى معالمها، على جانبي شارع الفتاكي، يقع ضريح الأمير يوسف ابن تاشفين و حدائق الكتبية و جامعيها، لا يمكن للزيارة ان تفوت، دون المرور بحي القصبة، حيث تقبع مقبرة السلاطين السعدين، و تنتشر الأسواق و المطاعم الشعبية و الطرقات الضيقة، أجواء تعطيك شعورا بالدخول من باب يحيلك إلى قرون ماضية، كنت تسمع عنها عند الكبار او في كتب التاريخ...
حتى البيئة لها حضور مبهر في مراكش، تعترضك حدائق و ساحات خضراء و مزارات كثيرة ، فعند تقاطع شارعي محمد الخامس و اليرموك، تنبسط عرصة مولاي عبد السلام، و على شارع إيف سان لوان، تتمد حديقة ماجوريل بروائحها الزكية و انواع ورودها و نباتاتها...حدائق ترغم زائر المدينة على الجلوس بها و التمشي بين الزهور و تحت ظلال اشجارها الوافرة، و تعطيك هذه الحدائق تصورا ولو محدودا عن الجنة.
جنة يرى الكثير من سكان المغرب العربي، ان فيها الرجال ال 7 المشهورين بمدينة مراكش و التي تسمى بهم ايضا" مدينة 7 رجال" و هم اولياء من كبار علماء الصوفية عاشوا في المدينة و اضطلعوا بدور كبير في نشر العلوم و الوعي الفكري و السياسي، و تقع اضرحتهم ما بين، باب الياقوت و شارع علال الفاسي و كثيرا ما يسمع ذكرهم في شمال موريتانيا. و هم :
يوسف بن علي الصنهاجي، و عياض بن موسى اليحصبي، وأبو العباس السبتي، ومحمد بن سليمان الجزولي، وعبد العزيز التباع، ومحمد بن عجال الغزواني، وعبد الرحمن الضرير.
مراكش مدينة أزمنة، و هي كما سماها اهلها "بلاد الله" ( اللغة البربرية)، زوارها متعلقون بها، تماما كما يتعلق بها اهلها، من ساكنة أحياء: القصبة، جيليز، الداوديات، سيدي يوسف بن علي، إزيلي، لمحاميد و... إلخ
لأهل مراكش ان يفتخروا، فمدينتهم تجمع في تراثها و تاريخها و عمارتها و تركيبتها السكانية، نماذج من معظم الدول التي انشات في المنطقتين العربية و الإسلامية (الأمويون، الأندلس، المغرب العربي و و إفريقيا)، و بالمدينة جوامع كثيرة ذات مبان جميلة، و مزارات عديدة و شوارع واسعة و مساحات خضراء كثيرة و باحات ارصفة مبلطة و أكثر من ذلك ناس طيبون و مضيافون، ناس استطاعوا ان يجعلوا من مدينتهم، إحدى أكثر المدن العالم زوارا، حيث تستقبل ملايين السياح سنويا و بها بنى تحتية سياحية راقية و خدمات عالية الجودة، و بعبارة واحدة، هي مراكش.
باباه ولد عابدين - مراكش (المملكة المغربية) - مراسلون