في أغلبية دول العالم تتنافس النخب على الإجتهاد في بناء أوطانها؛ عبر العمل بإخلاص في تنفيذ المشاريع والبرامج والاستراتيجيات والبحث المستمر عن أفضل الخيارات والبدائل المتاحة؛ خلال استشراف المستقبل؛ في حين أن أغلبية النخب الموريتانية؛ خاصة الملتفة حول الأنظمة المتعاقبة؛ لاهم لها إلا النفاق للحاكم ومغالطة الشعب الموريتاني المسكين؛ الذي يعاني الثالوث اللعين: الفقر والجهل والمرض.
فمنذ تجربة "هياكل تهذيب الجماهير" المشؤومة؛ لا عمل للنخب المحيطة بالحاكم؛ التي تمرست على تبديل جلدها؛ عبر الواجهات السياسية للسطة العسكرية المتعاقبة على الحكم في موريتانيا؛ بداية بنظام " هياكل تهذيب الجماهير" ومرورا بتجربة الحزب الجمهوري الديمقراطي و إبنه حزب "عادل" وحفيده حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" وانتهاء بالمولود الجديد لسلالة أقنعة الأنظمة العسكرية المتعاقبة على الحكم في موريتانيا؛ بحزب " الإنصاف"؛ إلا تفسير خطابات الحاكم الهامة؛ والحشد لاستقباله في إحدى مدن الداخل البائسة؛ أو الحشد لإطلاق المبادرات المؤيدة لخطاباته التاريخية ومطالبته بالترشح لإستكمال " إنجازاته العظمية".
ففي عهد المقدم محمد خون ولد هيدالا؛ ضيعت النخبة الموريتانية المساندة له؛ سنوات حكمه؛ بوصفه ب " شيخ الرجالة" وبالاشادة بانجزاته الجبارة: ،"تطبيق الشريعة الإسلامية" على طريقته الخاصة طبعا؛ وتكرار مدح تجربة " هياكل تهذيب الجماهير " بوصفها تجربة فريدة من نوعها؛ وهي فعلا كذلك؛ لكنها من حيث السوء؛ وعند أنتهاء حكمه ؛ ترك موريتانيا في أوضاع بائسة؛ كما انقلبت عليه تلك النخبة التي كانت تمدحه ؟
وفي عهد العقيد معاوية ولد طايع؛ ضيعت النخب المؤيدة بشكل أبدي للسلطة الحكامة؛ سنين حكمه المتطاولة؛ في مدحه والاشادة بعبقريته؛ التي أبدعت مرتكزات سياساته التنموية؛ القائمة على الثلاثي المشهور؛ الذي استغرق كل سنوات حكمه الضائعة بالمفهوم التنموي:
شعار الكتاب.
شعار برامج محو الأمية.
شعار ترقية المرأة .
مع ما صاحب ذلك من مهرجانات واستقبالات كرنفالية حاشدة.
وعند أنتهاء حكمه انقلبت عليه النخب المؤيدة أبدا لساكن القصر الرئاسي بموريتانيا ؛ بل قالت فيه تلك النخبة ما لم يقله مالك في الخمر؛ حتى من بعض وزارائه؛ وخير وصف للوضعية التي ترك فيها موريتانيا؛ ما قاله رفيق دربه ومدير أمنه طيلة حكمه؛ الذي خلفه في منصب الرئاسة؛ العقيد أعلي ولد محمد فال رحمه الله؛ الذي قال عند استلامه للحكم : "أن موريتانيا أشبه ببقالة كل المواد الموجودة بها منتهية الصلاحية".
وعندما جاء الجنرال محمد ولد عبد العزيز إلى الحكم؛ أطلقت عليه تلك النخب المؤبدة:
رئيس العمل الإسلامي .
رئيس الفقراء .
رئيس مكافحة الفساد والانجزات العظمية؛ وخير تعبير عن زيف تلك الشعارات؛ أنه ترك موريتانيا تتذيل قائمة التقارير الدولية في مجال مؤشرات التنمية؛ وأنه يحاكم اليوم بتهمة ممارسة كل أنواع الفساد؛ الكثيرة في عددها و المتنوعة في مضامنها ؛ و التي ربما لم يتهم بها في وقت واحد رئيس دولة من قبله ؟
مع حكم الرئيس الحالي؛ جاءت نفس النخب؛ تحمل معها ممارساتها مع الأنظمة السابقة وبنفس الأساليب والأدوات؛ لكن الذي تغير في الوضع الراهن؛ هو أن الرئيس الحالي؛ أطلق مع بداية حكمه؛ الكثير من الشعارات البراقة؛ بداية ببرنامج "تعهداتي" مرورا ببرنامج " الإقلاع" وانتهاء ب " المدرسة الجمهورية" لكن من الواضح أن ما يتم الحديث عنه من انجازات فيما انقضى من المأمورية - رغم غموض مفهوم الانجازات في موريتانيا حتى الآن- يكاد يكون انجازات وهمية؛ إذا ما تحدثنا عن انجازات دولة مقارنة مع ما يحصل في العالم من انجازات؛ لكن الأكثر إيلاما في كل ذلك؛ أن ما تبقى من مأمورية الرئيس الحالي؛ سيضيع في المبادرات والحشد للمهرجانات الكرنفالية المطالبة بإعادة ترشيحه لمأمورية جديدة.
وهكذا تضيع حقوق الشعب الموريتاني في التنمية؛ بفعل نخب فاسدة؛ لا شغل لها إلا البحث عن مصالحها الخاصة واشباع نزواتها؛ وأنظمة لا طموح لها إلا البقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة؛ والحصول على امتيازات السلطة؛ في الوقت الذي تغرق فيه موريتانيا في البؤس المعمم وتتردى أوضاعها أكثر ؛ مع ما يتهددها من المشاكل الداخلية؛ القابلة للانفجار في أي لحظة وما يحاصرها من التحديات الخارجية.