آثر حزب النهضة في تونس ـ رغم ريادته ديمقراطيا وفكريا، قياسا لبعض الأحزاب الإسلامية الأخرى ـ تأجيل حسم عقدة الافتكاك من الزعيم المؤسس، واختاروا البدء بمعركة فصل السياسي عن الدعوي، فأوغل القوم في الأمر إلى حد شارف على الطّرفية، وأزعج أطرافا كثيرة في الساحة الإسلامية الشريكة لهم فكرا ومدرسة.
وفي موريتانيا آثر حزب تواصل تقديم معركة تكريس التناوب على القيادة ـ رغم الحاجة إلى الرئيس المؤسس ـ فأربك الأمر مشهدَ الترشيح والترشح والانسحاب والمنافسة، كل ذلك في وقت واحد، فبدا كأنه تدافع للقيادة في جُبة تنافس عليها، لكنهم تريثوا في تأجيل معركة فصل الدعوي عن السياسي، إلى أجل هم بالغوه ولو بعد حين.
إنه تأجيل معركة لم تكتمل أشراطها، لأجل أخرى حل ميقاتها الزماني، سعيا لامتصاص الهزات الارتدادية لعملية التناوب البدعة في محيطهم ـ المحلي على الأقل ـ وخشية أن يفور التنور قبل نضج مائدة "التناوب السلمي"، رغم خلافات الطهاة، لكنها خلافات مكبوتة بصرامة التكوين الحركي الأول، قبل الولوج إلى سوح الحزبية، ومسارح سرك الديمقراطية.