الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد فإن مما لا بد من التنبيه عليه سقوط ما وجَّه به أحد القضاة المنتصرين للمسيء، من أنهم لم يحكموا إلا بمقتضى الشرع واتباع المذهب الأرجح: مذهب أبي حنيفة وجمهور الشافعية. ووجه السقوط أن المسألة تقدم فيها حكم للقضاء جرى فيه على مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى وغيره من أهل العلم، ولا مطعن في صحة هذا الحكم على مذهب إمام دار الهجرة.
وهذا يمنع شرعا إنشاء حكم آخر ينقضه؛ لان حكم الحاكم يرفع الخلاف في الجزئية التي وقع فيها حكم على الصواب.
فلا يحل لشافعي ولا حنفي أن ينقضه أو يفتي بخلافه.
قال القرافي في الفرق السابع والسبعين بين قاعدة الخلاف يتقرر في مسائل الاجتهاد قبل حكم الحاكم، وبين قاعدة مسائل الاجتهاد يبطل الخلاف فيها ويتعين قولٌ واحدٌ بعد حكم الحاكم، وذلك القول هو ما حكم به الحاكم على الأوضاع الشرعية.
قال: "اعلم أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم وتتغير فتياه بعد الحكم عما كانت عليه. فمن لا يرى وقف المشاع إذا حكم حاكم بصحة وقفه ثم رفعت الواقعة لمن كان يفتي ببطلانه نفذه وأمضاه، ولا يحل بعد ذلك أن يفتي ببطلانه".
فلو رفعت واقعة المسيء هذه بعد الحكم الأول لقاض شافعي أو حنفي لم يجز له أن يفتي بغير ما حكم به فيها من قبلُ.
وتعقب الأحكام عند وجود مقتضيه إنما يكون النظر فيها على وجه التحرير لها.
فيجب تنفيذها إلا أن يظهر منها عند النظر إليها على الوجه الجائز أنه خطأ ظاهر لم يختلف فيه.
انظر المواق عند قول خليل: "ولا يتعقب حكم العدل العالم".
وإنما ينقض من الأحكام ما خالف قاطعا من نص كتاب أو سنة أو إجماع أو قاعدة متفق عليها.