ولد بوحبيني يكتب : قادة بلا خطاب، أحزاب بلا مشروع: المأزق السياسي في موريتانيا

ثلاثاء, 24/06/2025 - 14:15

 

بعد سنوات من مراقبة الساحة السياسية الموريتانية، يترسخ لديّ قناعة واضحة لا تقبل اللبس: نعم، لدينا قادة سياسيون، ولدينا أحزاب سياسية، لكن لا وجود لخطاب سياسي حقيقي، ولا لجدل فكري أو نقاش عمومي حول الخيارات الوطنية.

ما نسمعه غالبًا من السياسيين في بلادنا لا يتجاوز مستوى توصيف الواقع الذي يعيشه المواطن البسيط: هناك ظلم، هناك فوارق، هناك فساد، هناك اختلاس للمال العام… ولكن هل هذه هي مهمة السياسي؟ هل دوره أن يخبر الناس بما يعرفونه هم أنفسهم، ويعيشونه كل يوم؟

ما يُنتظر من السياسي، وما يُفترض في الحزب السياسي، هو تقديم رؤية. هو أن يعرض مشروعًا. أن يمتلك القدرة على تجاوز المآسي اليومية ويقترح حلولًا قابلة للتحقيق لبناء مستقبل أفضل.

أين هي المشاريع السياسية في بلادنا؟ من من بين قادتنا يجرؤ على تقديم تصور واضح لسياساته الاقتصادية أو الاجتماعية؟ من يشرح للناس ما الذي ينوي فعله إذا وصل إلى الحكم؟ ما هي رؤيته للعدالة الاجتماعية؟ للجباية؟ للتعليم؟ للصحة؟ للتوظيف؟ ما هو موقفه من دور الدولة في الاقتصاد؟ هل يؤمن بالتحرير الاقتصادي؟ أم بالاقتصاد الموجه؟ وما هي ملامح سياسته الخارجية؟

في كل هذه القضايا الجوهرية، يغيب الوضوح، ويُخيّم الصمت، أو يُستعاض عنها بشعارات فضفاضة خالية من أي مضمون.

وما هو أسوأ من ذلك، هو غياب النقاش الحقيقي بين الأحزاب السياسية. لم نشهد أبدًا نقاشًا جادًا بين الأطراف السياسية حول التوجهات الفكرية، أو الخيارات المجتمعية، أو أولويات العمل الوطني. هل أنتم ليبراليون؟ اشتراكيون؟ قوميون؟ وحدويون؟ ما الذي تقترحونه في مواجهة التحديات الكبرى التي تعيشها البلاد؟ كل هذا يبقى غامضًا، وأحيانًا متعمدًا، يُدارى خلف خطاب شعبوي أو قبلي لا علاقة له بالسياسة كفكر ورؤية.

هذا الفقر في التصور، والسطحية في الطرح، لهما عواقب خطيرة: الانتخابات تتحول إلى سباقات بين أشخاص، لا بين أفكار. التحالفات تُبنى على المصالح الآنية، لا على التقارب الفكري أو البرامجي. والناخب الموريتاني ينفر تدريجيًا من سياسة لم تعد تقدم له شيئًا يُقنعه أو يُلهمه.

فهل يمكننا حقًا، في ظل هذا الواقع، أن نصف من يمارسون السياسة بأنهم رجال سياسة؟ أو أن نعتبر ما لدينا من تشكيلات، أحزابًا سياسية بالمعنى الحقيقي؟ أشك في ذلك. فأن تكون سياسيًا، لا يعني فقط أن تتحدث باسم الناس على المنابر، بل أن تحمل رؤية، وتدافع عن مشروع، وتكون لك مرجعية فكرية واضحة.

لقد آن الأوان أن نطالب بالمزيد. أن نطالب بالأفكار، بالمشاريع، بالنقاشات الجادة. وإلا، فسنظل أسرى سياسة بلا سياسة، وديمقراطية بلا نقاش، ومستقبل بلا بوصلة.

 

احمد سالم بوحبينى 
24/06/2025

تصفح أيضا...