مادام يستمر الفاسدون والانتهازيون والمنافقون، من الصعب الحديث عن الأمل والتغيير. وحتى لا نكون مثاليين، فإن السياسة عمومًا بطبيعتها تتحمل المناورة والكذب أحيانًا، والازدواجية، لكن الموضوع عندنا زائد وكثير، وتخطى كل المسموح به عالميًا ومحليًا، وكأنك يا أبوزيد «لا رحت ولا ثرت ولا جيت»، ولا نقصد مفسد من هنا أو هناك، فطبيعى أننا لا نمسك للناس مقصلة أو نحاكم النوايا، لكن الحقيقة أن هناك فاسدين بإجماع الآراء، وانتهازيين باتفاق الأدلة، يتسللون ويقدمون أنفسهم فى ثياب الناصحين، بل إن بعضهم أصبح يقدم نظريات فى السياسة، ويطالب بالتطهير والمكاشفة.
فى عالم السياسة من الصعب أن تعثر على سياسى يقول الحقيقة، إلا لو كان سابقًا.. ستجد الوزير أو المسؤول أو الفاسد السابق يتحدث مثل ملاك بأجنحة، وينتقد الفساد، ويقدم رؤى عميقة للمشكلات، وحلولًا عبقرية، بينما وهو فى موقع المسؤولية يكون بليدًا وعاجزًا، وربما متورطًا فى كل ما ينتقده بعد مغادرة مناصبه.
وطبيعة السياسة أن ما هو مطروح فى العلن من كلمات ضخمة، وحديث عن المبادئ والقيم العليا شىء، وما هو واقع وحادث من هذا السياسي أو ذاك أمر آخر.. لن تجد فاسدًا يبرر الفساد، ولا لصًا يجادل فى كون السرقة أمرًا مستهجنًا، ولا انتهازيًا يمدح الانتهازية، بل إن الفاسدين والمنافقين هم الأكثر قدرة أحيانًا على انتقاد الفساد والدعوة للتطهير.
لماذا نقول هذا؟، بمناسبة عدد من محترفى الفساد فى كل العقود، وهم يتحدثون عن الطهارة والشرف، ولديهم نظريات فى الحديث عن الفساد والدعوة لمواجهته كأنهم من كبار رجالات أجهزة الرقابة، و«احذر الفاسد الذى يتحدث كثيرًا عن مواجهة الفساد»، وكثير من معارك نراها اليوم في الجرائد اليوميه، و مواقع التواصل، ظاهرها الحرص على الوطن، وباطنها المنافسة للبحث عن مكان بجوار السلطة.
وهناك منافقون «عابرون لكل الأنظمة»، يمتلكون قدرات على البقاء والفوز، والعيب ليس عيبهم، لكنه عيب النظام السياسى والاجتماعى الذى مازال يسمح لهؤلاء الفاسدين بالمشاركة في الحكومه ، والوصول إلى مواقع التنفيذ .
الفساد في بلادنا لم يعد مُختصاً بجماعة أو فئة، أو حزب، أو قطاع او مؤسسه، أي أنه أصبح عاما وشاملا، وانتقل من خانة الخاص إلى العام، ومن الجزئي إلى الشامل. فقد وجدت له تشابهاُ مع بعض ما في الفلسفة من وجوه، فاستفدت من هذا التشابه لأمنحه تجاوزاً حق أن تكون له فلسفة، كما هي فلسفة الحكم، وفلسفة الحزب الحاكم، وفلسفة إدارة الدوله ،وفلسفة وفلسفة إجتماعات مجلس الوزراء، والبرلمان، ومجلس الرئاسة، وخاصة مجلس الرئاسة، وكل ما يندرج تحت توصيف( فلسفة الاستغفال) او نظرية الفساد
والفساد الموريتاني أريد له أن لا يكون ظاهرة عابرة أو مؤقتة، وإنما أريد له أن يتأصل ويتجذر لتحقيق غايات "إستراتيجية"، نعم غايات إستراتيجية، ولحين تحقيق هذه الغايات فليس بمقدور أحد معالجته، ولا معالجة مسبباته،مثله مثل السرطان تماما
معالجة الفساد تستوجب الخروج على المعهود والذي بات مألوفاً، والخروج على هذا المعهود يتطلب الكثير من الشفافية المفقوده في جميع القطاعات لتي تسلل فيها فيروس الفساد وأصاب الجميع بالعدوى من يحقق مع من؟ ومن يحاكم من ؟
عدم مساءلة ومحاسبة ناهبي الملايير من مال هذا الشعب الفقير ، وما نتج عن عقود من اللصوصية من إفلاس للكثير من صناديق الدولة، وتنامي الدين الداخلي والمديونية الخارجية، وتفاقم عجز الموازنة، وبالتالي اللجوء إلى المديونية الخارجية بشروط تزيد من تفشي الفساد والاحتقان الاجتماعي اكثر واكثر
الفساد يجعلنا نكفر بما تحت أرضنا، وما فوقها من خيرات تحولت إلى نقمة علينا بدلاً من أن تكون نعمة.
وإذ نكفر بالأرض وما تحتها وما عليها، فإننا نكون قد خطونا خطوات كبرى للهدف التالي، ألا وهو تقسيم هذه الأرض التي لم تعد تجمعنا وكل يغني علي ليلاه
أمام هذا الوضع الكارثي الذي يتخبط فيه الوطن الجريح، تتعدد الآراء ووجهات النظر، مع إصرار الحكومة علي السريه وعدم كشف مايجري وراء الكواليس فإنني أشك في محاسبة المفسدين وان تكون هناك محاكمه
رغم أننا نأمل كثيرا في هذا النظام ورئيسه لمايتميز به من ثقافات اجتماعيه متعدده ونطالبه بالعداله واسترجاع أموال الفقراء من رئيس الفقراء
محاربة الفساد والفاسدين لا تقل أهمية وخطورة عن محاربة الاحتلال بل إنهما وجها عملة واحد
د.محمدعالي الهاشمي