تجارب صينية مشبوهة قد تكون وراء تفشي كورونا.. وحيوان جديد بقفص الاتهام

خميس, 30/04/2020 - 12:33

طرح تقرير في مجلة نيوزويك الأميركية احتمالية ظهور فيروس كورونا المستجد والمرض الذي يسببه كوفيد-19 نتيجة ممارسات مخبرية غير آمنة في مدينة ووهان بالصين، فيما يقدم عالم ألماني نظرية جديدة عن منشأ الفيروس، زاعما أنه نشأ في حيوان كلب الراكون.

وفي التقرير الذي نشرته المجلة، قال الكتاب فريد غوتيرل، ونافيد جمالي، وتوم أوكونور إن وكالة استخبارات الدفاع الأميركية قامت بتحديث تقييمها لأصل فيروس كورونا المستجد، ولمحت إلى إمكانية إطلاقه عن طريق الخطأ من مختبر أمراض معدية.

وبحسب التقرير، فقد راجعت المخابرات الأميركية تقييمها لشهر يناير/كانون الثاني الماضي والذي اعتبرت فيه أن التفشي ربما حدث بشكل طبيعي، ليشمل الآن إمكانية ظهور فيروس كورونا المستجد عن طريق الخطأ بسبب "الممارسات المخبرية غير الآمنة" في مدينة ووهان بوسط الصين.

واستبعد التقرير -الذي يحمل عنوان "الصين.. أصول تفشي فيروس كوفيد-19 يبقى مجهولا" أن المرض تمت هندسته وراثيا أو تم إطلاقه عن قصد كسلاح بيولوجي.

وجاء في التقرير أنه "من غير المرجح أن يطلق الباحثون أو الحكومة الصينية عمدا مثل هذا الفيروس الخطير -خاصة داخل الصين- دون امتلاك لقاح معروف وفعال".

ونقلا عن الأدبيات الأكاديمية تنص وثيقة وكالة استخبارات الدفاع على أن الإجابة النهائية بشأن كيفية ظهور المرض لأول مرة "قد لا تكون معروفة على الإطلاق".

من جهته، قال متحدث باسم المخابرات الأميركية لمجلة نيوزويك "إن مجتمع المخابرات لم يتفقوا بشكل جماعي على نظرية واحدة".

مصدر غير مؤكد
وأفاد كاتبو التقرير بأن تتبع أصل فيروس جديد ليس بالأمر السهل، لذا فإنه ليس من الغريب أن تستنتج الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية العسكرية في أوائل فبراير/شباط الماضي "أنه كان من المستحيل بالنسبة لهم أن يحددوا علميا ما إذا كان تفشي فيروس كوفيد-19 كان ناتجا عن حادث مختبري بشكل طبيعي أو عرضي"، وذلك حسب وثيقة وكالة استخبارات الدفاع.

وأشارت التقييمات الأولية التي أجرتها الحكومة الصينية إلى أن سوقا للمأكولات البحرية في المدينة هو السبب المحتمل للتفشي الطبيعي لمرض كوفيد-19.

من جهتها، أبلغت وزارة الخارجية الصينية الصحفيين يوم 23 أبريل/نيسان الجاري أن منظمة الصحة العالمية لم تجد "أي دليل" على أن تفشي المرض بدأ من مختبر ووهان.

وانتقد يوان تشي مينغ نائب رئيس معهد ووهان للفيروسات ورئيس الأكاديمية الصينية للعلوم- فرع ووهان الاستدلال على سوء الاستخدام أو الخلق المتعمد للفيروس على أنه "خبيث" و"مستحيل"، مضيفا أنه "ليس لديهم دليل أو منطق يدعم اتهاماتهم، إنهم يبنونها بالكامل على تكهناتهم الخاصة".

ومع ذلك، يشير تقرير وكالة استخبارات الدفاع إلى أن باحثين حكوميين وصينيين في الولايات المتحدة وجدوا أن "حوالي 33% من الحالات الأصلية التي تم تحديدها والتي بلغ عددها 41 لم يكن لها اتصال مباشر" مع السوق.

هذا، إلى جانب ما هو معروف عن عمل المختبر في الأعوام القليلة الماضية، والذي أثار شكا معقولا في أن الوباء ربما يكون ناتجا عن خطأ في المختبر، وليس في السوق.

ومع بداية ظهور فيروس كورونا المستجد أصر المسؤولون الصينيون على أنه لا يمكن الإصابة بالفيروس إلا من خلال الاتصال المباشر بالحيوانات، لكن العديد من المرضى الأوائل في ووهان ليس لديهم أي صلة بأسواق الحيوانات البرية، مما يعني أن الفيروس كان ينتشر بالفعل من شخص إلى آخر.

وفي الأيام الأولى كانت النظرية السائدة عن أصول الفيروس هي أنه نشأ في الخفافيش، وانتقل إلى بعض الثدييات الأخرى مثل آكل النمل الحرشفي، وانتشر بين السكان في نهاية المطاف من خلال أسواق الحيوانات البرية.

وبحلول مارس/آذار الماضي كانت نظرية الفيروسات البرية لا تزال التفسير الأكثر ترجيحا لأصل فيروس كورونا المستجد، لكن هذا التفسير بدأ يصبح معيبا. 

وفي الواقع، إن معهد ووهان للفيروسات -الذي لا يبعد عن أسواق الحيوانات في وسط مدينة ووهان- يضم أكبر مجموعة في العالم من الفيروسات التاجية التي تم استخراجها من الخفافيش البرية، بما في ذلك فيروس واحد على الأقل يشبه فيروس كورونا المستجد.

والأكثر من ذلك أن علماء معهد ووهان لعلم الفيروسات انخرطوا على مدى الأعوام الخمسة الماضية فيما تسمى أبحاث "كسب الوظيفة" (gain of function)، والتي تم تصميمها لتعزيز خصائص معينة للفيروسات بغرض توقع الأوبئة في المستقبل.

وذكر كاتبو التقرير أن مختبر ووهان تلقى تمويلا للقيام بهذا العمل من برنامج دولي مدته عشرة أعوام بقيمة 200 مليون دولار يسمى "بريدكت"، وهو ممول من قبل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وبلدان أخرى، ويتضمن جزء منه أخذ فيروسات مميتة وتعزيز قدرتها على الانتشار السريع بين السكان.

في المقابل، عارض مئات العلماء إجراء هذا البحث، وحذروا لأعوام من احتمال أن يتسبب البرنامج في حدوث جائحة.

وفي الحقيقة، إن لدى معهد ووهان سجلا من الممارسات المشكوك فيها، والتي يمكن أن تؤدي إلى إطلاق عرضي لفيروس، وذلك وفقا للتحذير الذي ورد عن المسؤولين بالسفارة الأميركية في بكين في برقية في 19 يناير/كانون الثاني 2018. 

وأكد الكتاب الثلاثة أن الأدلة الظرفية قوية بما يكفي لتبرير وضع برامج وممارسات المختبر في قلب التحقيق، ويجب النظر من جديد فيما إذا كان العلماء قد تجاوزوا الحد في جهودهم لحماية الناس من خطر مسببات الأمراض الطبيعية.

تعقب المنشأ
وأشار كاتبو التقرير إلى أن جوناثان إيسن عالم الأحياء التطوري بجامعة كاليفورنيا في ديفيس يقول إن كثرة الأدلة -على الرغم من أنها ليست نهائية- تشير إلى أن الفيروس جاء من الطبيعة، وليس من المختبر.

وأضاف "ليس هناك تلميح إلى أن هناك شيئا غير طبيعي، أي مهندس وراثيا، ولكن هناك مجال للنظر" في النتائج التي تعترف باحتمال اختلاق الفيروس في المختبر عبر الانتقال الحيواني.

وأفاد إيسن بأنه "من الصعب إجراء الاختبارات لتحديد ما إذا انتشر فيروس من المختبر، وإذا جمع باحثو ووهان شيئا من الخارج وكانوا يقومون ببعض التجارب عليه في المختبر وأصيب شخص ما بالمرض ثم انتشرت العدوى من هناك فسيكون من الصعب تمييزه عن الانتشار في الوسط الخارجي مباشرة".

كلب الراكون
وعلى صعيد متصل، أثار عالم الفيروسات الألماني كريستيان دروستن الجدل بعد مخالفته الرأي الشائع أن فيروس كورونا نشأ في أحد أسواق تجارة الحيوانات البرية في مدينة ووهان، مقترحا نظرية جديدة.

ويختلف دروستن -وهو كبير الباحثين في علم الفيروسات بمستشفى شاريتيه في برلين- مع الاعتقاد الشائع بأن فيروس كورونا انتقل إلى الإنسان من أحد أسواق تجارة الحيوانات البرية في ووهان، ويرى أن الأمر يحتاج لمزيد من الدراسات.

وفي حوار مع صحيفة غارديان البريطانية، اتفق العالم الألماني على صحة فرضية نشأة الفيروس في الصين، لكنه يرى أن الوباء بدأ في المكان الذي تتم فيه تربية الحيوان الوسيط الذي نقل المرض إلى الإنسان.

ويرى دروستن أن هناك أمرا مهما تم تجاهله في التغطية الإعلامية لفيروس كورونا، ألا هو ظروف نشأة فيروس سارس بجنوب الصين في 2003، فبحسب دروستن، توصلت الدراسات إلى أن فيروس سارس عثر عليه في حيوان كلب الراكون، والذي يعد تجارة مربحة في الصين بسبب فروته.

ويقول دروستن "إذا أعطاني أحدهم بضعة آلاف من الدولارات وإمكانية البحث في الصين فسأبحث في الأماكن التي تتم فيها تربية كلاب الراكون".

ونقل موقع "فوكوس" الألماني عن دروستن تخمينه بأن "بعض من ذهبوا إلى أسواق تجارة الحيوانات البرية يعملون بالأساس في أماكن تربية كلب الراكون، وهو ما قد يفسر انتقال الفيروس إلى سوق ووهان".

استبعاد آكل النمل الحرشفي
وشاع الاعتقاد في الأوساط العلمية بأن فيروس كورونا انتقل من الخفافيش إلى حيوانات وسيطة ومنها إلى الإنسان، ودارت مناقشات علمية بشأن طبيعة الحيوان الوسيط، حيث درس البعض احتمال أن يكون الوسيط هو آكل النمل الحرشفي، والذي يعد وجبة معتبرة في الثقافة الصينية ويباع بثمن باهظ في أسواق غير شرعية لمن يعتقدون أن له خصائص علاجية.

ووقع آكل النمل الحرشفي تحت الاشتباه بعد عثور العلماء على فيروس يشبه فيروس كورونا المستجد بنسبة 90% في عينات من دمه بحسب ما نقلت شبكة "إن تي في".

لكن كريستيان دروستن يختلف مع هذه النتيجة، ويرى أن كلب الراكون هو الحيوان المسؤول عن انتقال كورونا للبشر.

وأضاف دروستن في حوار مع صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية "لا أفهم سبب عدم وجود دراسات عن هذا الأمر".

وكان عالم الفيروسات الأشهر حاليا في ألمانيا -وهو أحد أهم المستشارين للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال أزمة كورونا الحالية- قد استبعد نظرية نشأة الفيروس في مختبرات علمية، وقال إن فيروسات كورونا الخفاشية والتي تشبه فيروس كورونا المستجد بشكل كبير "توجد فقط في خفاش حدوة الحصان، ولن يأخذها أحد لتعيش في مختبرات بهذه البساطة".

وأشار إلى أن هناك حاجزا طبيعيا يمنع انتقال الفيروس بشكل مباشر للإنسان، مما يجعل "من غير المنطقي" -بحسب قوله- أن يكون الفيروس انتقل للبشر في مختبر ما من الخفافيش بشكل مباشر عن طريق الخطأ.

 

الجزيرة نت

تصفح أيضا...