في العراق.. مرضى بكورونا يخشون الإبلاغ عن إصابتهم بالمرض

سبت, 14/03/2020 - 12:28

بعد أن شعر حيدر جبار (22 عاما) بأعراض إصابته بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) قرر التوجه إلى مستشفى الزعفرانية في بغداد للتأكد من وضعه الصحي. "ليتني لم أذهب"، هكذا قال بحزن شديد.

يروي حيدر تجربته للجزيرة نت قائلا "كنت في المظاهرات وفجأة شعرت بارتفاع درجة حرارتي، وأحسست بضيق في التنفس، فذهبت مسرعا نحو المستشفى، أرشدني موظف الاستعلامات إلى أحد الأطباء، وبعد أن سألني عن وضعي طلب مني التوجه إلى إحدى الغرف والبقاء فيها".

ويكمل "بقيت في تلك الغرفة 24 ساعة من دون أي طعام أو اهتمام، بعدها نُقلت إلى غرفة أخرى في الطابق العلوي، ولم يتغير من الوضع شيء، لم يتفقدني سوى شخص واحد لم أتمكن من تحديد هويته إن كان طبيبا أو ممرضا، أعطاني محلولا مغذيا عن طريق الوريد ثم اختفى، وعاد في اليوم التالي عند منتصف الليل".

من شدة الألم والجوع غلب على حيدر النعاس، استيقظ بعدها ليجد نفسه ملطخا بدمائه، إذ يبدو أن المغذي المتصل بوريده أزيح عنه خلال نومه دون أن يشعر به، وقال "حاولت أن استنجد بأحد من دون جدوى فاضطررت لإيقاف النزيف بنفسي مستخدما جزء من القماش غير النظيف الذي يغطي السرير".

طعام قُرب الحاوية
وبعد يومين تقريبا لم يتحمل حيدر الجوع، وقرر أن ينهض من السرير بحثا عن الطعام الذي وجده موضوعا على الأرض قرب الحاوية القريبة من غرفته، وقال إنه أخذ الطعام وأكله مجبرا.

أدرك حيدر لاحقا أن خوف الموظف من العدوى هو السبب نفسه الذي منع موظف التنظيف من دخول غرف الحجر في المستشفى، وهو ما أجبره على غسل فراشه بنفسه.
 

أزمة نفسية وحرب مجتمعية
عدم تقديم الطعام وغياب الرعاية الصحية لم تؤثر بشكل كبير على نفسية حيدر، بل انقطاع أسرته عن زيارته، ويقول "استغربت من انقطاع أسرتي، لكنني علمت لاحقا أن المستشفى منعهم، ولم تكتف إدارة المستشفى بذلك بل اتصلت بمختار منطقتنا وأبلغته بتحذير الناس من التعامل مع أفراد أسرتي، تخيلوا أن أصحاب محلات البقالة وغيرهم رفضوا التعامل مع إخوتي الصغار، ولكم أن تتصوروا الرهاب النفسي الذين عاشته أسرتي".

هروب دون عودة 
في اليوم الرابع من الحجر الصحي تحسن وضع حيدر، وبعد أن تمكن والده من زيارته قررا الخروج من المستشفى دون إخبار أحد، وقال "لو بقيت نصف ساعة إضافية لفقدت عقلي".

حيدر ذلك الشاب الذي دفعه وعيه وحرصه على مراجعة المستشفى أصبح يعتبر المحاجر الصحية "سجونا لا صحية" تصيب الإنسان السليم بالمرض، وقال "لن أنسى تلك الساعات الأليمة، ولن أعود مجددا لأي مستشفى حتى لو كنت على فراش الموت".

وسجل العراق حتى لحظة إعداد هذا التقرير نحو مئة حالة إصابة بفيروس كورونا توفي منهم تسعة، وتماثلت 15 حالة للشفاء التام.

وصمة عار
ويرى الباحث الاجتماعي سامر الجنابي أن خوف المصاب بفيروس كورونا وذويه من وصمة العار التي ستلاحقهم وتعزلهم عن المجتمع وتجعلهم منبوذين من أبرز الأسباب التي تدفعه للكتمان، مشيرا إلى أن عدم الوعي لدى أغلب أفراد المجتمع في التعامل مع المصابين والمشتبه بهم في هذه الأوضاع خلق مشاعر الخوف والتردد لدى المصاب وأسرته، بالإضافة إلى أن إجراءات الحجر الصحي المتبعة لا تليق بالمكانة الإنسانية والاجتماعية للفرد.

خدمات رديئة
"أغلب المؤسسات الصحية العراقية غير مؤهلة لتقديم الرعاية للمرضى، وقد تكون موبوءة بالأمراض، ولذلك لا يثق بها الناس"، ويقول الناشط في مجال حقوق الإنسان علي كاظم إن بعض الكوادر الصحية والطبية تتعمد انتهاك حقوق المريض سواء بإهماله أو معاملته بأسلوب غير إنساني.

ويشير الطبيب المتقاعد سعيد شندل إلى أن المحاجر الصحية في العراق ليست بالمستوى المطلوب، كما أن الإجراءات الحكومية المتبعة لا تتلاءم مع حجم المشكلة، رغم وجود كوادر صحية وطبية متمكنة.

ويضيف "لا يمكن أن تتحمل الكوادر الصحية والطبية مسؤولية التقصير الحكومي في متابعة حاملي الفيروس الوافدين إلى العراق من المناطق الموبوءة".

واتهم شندل الجهات الخدمية بالتقصير في أداء واجباتها لمواجهة الفيروس، قائلا "الجميع يتحمل المسؤولية".
 

جريمة قانونية 
ونص الدستور العراقي لعام 2005 على الحق في الصحة بحسب المادة 31، إذ لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية، وتعنى الدولة بالصحة العامة، وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء المستشفيات والمؤسسات الصحية، وفقا للمحامي علي عبد الأمير.

ويضيف عبد الأمير "لقد نصت المادة 368 من الفصل السابع ضمن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من ارتكب عمدا فعلا من شأنه نشر مرض خطير مضر بحياة الأفراد، فإذا نشأ عن الفعل موت إنسان أو أصابته بعاهة مستديمة عوقب الفاعل بالعقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي إلى موت، أو جريمة العاهة المستديمة حسب الأحوال).

كما أشارت المادة 369 منه إلى عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مئتي ألف دينار كل من تسبب بخطئه في انتشار مرض خطير في حياة الأفراد، فإذا نشأ عن الفعل موت إنسان أو إصابته بعاهة مستديمة عوقب الفاعل بالعقوبة المقررة لجريمة القتل الخطأ أو جريمة الإيذاء خطأ حسب الأحوال".

ويعتبر عبد الأمير الجرائم المضرة بالصحة العامة وفقا للقانون العراقي من أخطر الجرائم لأنها قد تؤدي إلى وفاة الإنسان وتؤثر سلبا على البيئة والصحة العامة من خلال نشر الأمراض المعدية والضارة.

رفع الوعي 
ويؤكد عبد الأمير أن معالجة الأمراض السارية والأوبئة من واجب الجهات الصحية وفق القانون، وعليها أن تتعاطى جديا مع المعلومات والحالات التي تصل إلى علمها وتتخذ الإجراءات الضرورية، وبعكسه تعتبر مخالفة للقانون. 

وينصح الجنابي بضرورة رفع مستوى الوعي لدى الأفراد ليدركوا أن كورونا مرض عادي يشبه أي مرض آخر يجب تقبله والتعامل معه بشكل طبيعي، وهذه مهمة الإعلام والمؤسسات الصحية والتربوية والدينية، وكذلك منظمات المجتمع المدني.

المصدر : الجزيرة

 

تصفح أيضا...