صحة / نعمة الله: البصر.. الدماغ يفك تشفير الصورة

اثنين, 13/01/2020 - 11:20

د. أسامة أبو الرُّب - للجزيرة نت

هل عاتبك يوما صديقك لأنك صادفته ولم تسلم عليه؟ وعندما قلت له "آسف، لكنني لم أرك؟"، فأجابك بأنه متأكد من أنك نظرت في عينيه. التفسير قد يكون في هذه الحالة أنك رأيته بعينيك، لكنك لم تبصره بدماغك.

فالشخص قد يرى شيئا بعينيه، ولكن إن لم ينتبه له بذهنه فإنه لن يراه حقيقة، فكما قال أبو فراس الحمداني:

لعمرك ما الأبصار تنفع أهلها.........إذا لم يكن للمبصرين بصائر
وهل ينفع الخطي غير مثقف........وتظهر إلا بالصقال الجواهر

ولكن، ما التفسير؟
الجواب نتعرف عليه اليوم في الحلقة الثانية من سلسلة "نعمة الله"، وهي سلسلة على صفحة صحة بموقع الجزيرة نت، نتناول في كل حلقة منها نعمة من نعم الله الكثيرة التي منحها للإنسان في جسمه، من أعضاء وحواس وأجهزة، ونستعرض كيف تعمل وما أبرز الأمراض التي قد تهددها.

الحلقة الأولى كان موضوعها العين، وتعلمنا فيها أن العين تمتاز بتركيب معقد للغاية، وتعرفنا على كيفية عملها وما أبرز الأمراض التي تصيبها. أما في حلقتنا اليوم فسنتحدث عن نعمة البصر الذي يشمل الآلية التي يتعرف فيها الدماغ على المعلومات التي تأتيه من العين، وكيف يتعامل معها.

عندما نشاهد شيئا فإن الأشعة الضوئية تصلنا إلى أعيننا منه، وتعكس العين -عبر أجزائها المختلفة- الأشعة (الصورة) وتركيزها على شبكية العين.

 

تحتوي شبكية العين على ملايين الخلايا العصبية الحساسة للضوء، وتسمى هذه الخلايا العصبية بالخلايا المخروطية "المخاريط" (cones)، والخلايا العصوية (rods) بالقضبان والأقماع بسبب أشكالها المتميزة.

تحتوي المخاريط والخلايا العصوية على جزيئات صبغية، تغير شكلها عندما يصلها الضوء، مما يؤدي إلى توليد رسالة كهربائية تنتقل إلى المخ عبر العصب البصري.

تحوّل الخلايا في شبكية العين الضوء إلى نبضات كهربائية، تنتقل عبر العصب البصري إلى الدماغ، وتحديدا القشرة البصرية للدماغ أو "مركز الرؤية".

مركز الرؤية
يقع "مركز الرؤية" في الجزء الخلفي من الدماغ، وهو مسؤول عن فك تشفير المعلومات الكهربائية الواردة من شبكية العين. يفسر مركز الرؤية الشكل الكهربائي للصورة، مما يسمح لك بتكوين خريطة بصرية.

الرؤية عملية معقدة، إذ يتعين على المخ القيام بالكثير من العمل لصنع صورة. وفي هذه القشرة البصرية (مركز الرؤية) يوجد عدد كبير من الخلايا الموزعة في طبقات عدة.

وعلى الرغم من أن آليات معالجة مركز الرؤية للمعلومات البصرية ليست مفهومة بالكامل حتى الآن، فإن نتائج حديثة من دراسات تشريحية وفسيولوجية تشير إلى أن الإشارات البصرية يجري إدخالها في ثلاثة أنظمة معالجة منفصلة على الأقل. نظام يعالج المعلومات البصرية بشأن الشكل، ونظام يعالجها اعتمادا على اللون، والثالث حسب الحركة والموقع.

وتوضح الدراسات أن إدراك الحركة والعمق والمنظور والحجم النسبي للأشياء والحركة النسبية للأجسام والتظليل والتدرجات في الملمس، كلها تعتمد بشكل أساسي على التباينات في شدة الضوء بدلاً من اللون.

وتتطلب الرؤية تنظيم عناصر مختلفة، وتتم عبر قدرة الدماغ على تجميع أجزاء الصورة معًا وكذلك فصل الصور عن بعضها بعضا وعن خلفياتها الفردية.

يستخلص الدماغ المعلومات من الإشارات البصرية، ويربطها بالمعلومات والخبرات السابقة التي لديه. وبالتالي يخبرك أن ما تراه الآن هو برتقالة، وليس كرة لعب برتقالية اللون.

في الحقيقة، تتأثر عملية الرؤية بتوقعات تستند إلى الخبرة السابقة، وهذا ينطبق على إدراك اللون والشكل والتعرف على الوجوه والأشياء. ورغم أن هذه الحقيقة تسمح أحيانًا بحدوث خداع للدماغ وفهمه للصورة بشكل خاطئ، كما هي الحال مع الأوهام البصرية، فإنها أيضا تمنحنا القدرة على رؤية العالم المرئي والاستجابة له بسرعة كبيرة.

ضعف البصر العصبي
ضعف البصر العصبي (Neurological vision impairment) هو فقدان البصر الناتج عن حدوث إصابة للدماغ أو ضعف في التنسيق بين العينين، وصعوبات في الإدراك البصري.

هناك أسباب عديدة لضعف البصر العصبي، مثل:

1- السكتة الدماغية.
2- ورم في الدماغ.
3- إصابات الرأس.
4- التهابات مثل التهاب السحايا.
5- نقص الأكسجين، نتيجة الغرق مثلا أو الأزمة القلبية التي يمكن أن توقف تدفق الدم إلى المخ.

ويعتمد نوع وشدة فقدان الرؤية على أي منطقة من الدماغ تأثرت وإلى أي درجة. وفي بعض الحالات قد يتحسن الضعف مع مرور الوقت.

أعراض فقدان الرؤية العصبية
تعتمد الأعراض على نوع ضعف البصر الذي يعاني منه الشخص وعلى المنطقة المصابة بالدماغ، ولكنها قد تشمل:

1- رؤية ضبابية.
2- رؤية مزدوجة.
3- الاصطدام مع الناس أو الأشياء أثناء الحركة.
4- مشاكل في التوازن أو إدراك العمق.
5- رهاب الضوء (صعوبة الرؤية في الضوء الساطع).
6- فقدان جزئي للحقل المرئي (على سبيل المثال، نصف الحقل المرئي في كل عين أو ربع الحقل المرئي في كل عين).

العلاج
لا يمكن تصحيح فقدان الرؤية العصبية بالنظارات أو العدسات اللاصقة، لأن السبب يكمن في دماغ الشخص وليس في عينيه. ويتضمن العلاج إدارة الأعراض، ويعتمد على نوع ضعف البصر وسببه. وقد تشمل الخيارات علاج إصابة الدماغ الأساسية، فإذا تمكن الدماغ من التعافي من إصابته، فقد تتحسن رؤية الشخص أيضا.

العين الكسولة (الغمش)
العين الكسولة هي حالة يكون فيها ضعف في الرؤية المركزية للعين من دون ‫وجود سبب عضوي، وإنما ينجم عن عدم دمج المخ صورتي العينين معا ‫بشكل صحيح، مما يتسبب في القصور الشديد في القدرة على الرؤية الحادة، وذلك وفقا للرابطة الألمانية لأطباء الأطفال ‫والمراهقين.

‫ووفقا للرابطة فإن الإصابة بالعين الكسولة ترجع إلى أسباب عدة، منها:

  • خطأ انكساري، أي اختلاف حدة الإبصار لكلتا العينين.
  • الحَوَل.
  • ‫الإصابة بالمياه البيضاء (إعتام عدسة العين) الناجمة عن إصابة في الطفولة ‫المبكرة.
  • تكمن مشكلة الإصابة بالعين الكسولة في صعوبة تشخيصها، إذ لا تكاد ‫تظهر أي أعراض على الطفل، مما يترتب عليه عدم القدرة على تشخيص الأطباء ‫للمرض.

‫بالإضافة إلى أنه كلما تقدم عمر الطفل، قلّت فرصة نجاح العلاج، لذا ‫ينبغي علاج اضطرابات الرؤية -مثل العين الكسولة- في سن مبكرة، إذ ‫يمكن القضاء على ضعف البصر بشكل أكثر فعالية لدى الأطفال الذين تتراوح ‫أعمارهم بين 20 و42 شهرا.

ووفقا لدراسة طبية نشرت في 2018، فإن أحد الأسباب الكامنة وراء حالة "العين الكسولة" في مرحلة الطفولة يرجع إلى كيفية قمع الدماغ للعين.

وقاد الدراسة باحثون بجامعة واترلو الكندية بالتعاون مع باحثين من جامعتي كولومبيا البريطانية وأوكلاند في نيوزيلندا، ونشرت في دورية علم الإبصار وعلم العيون التحققي (Investigative Ophthalmology & Visual Science) العلمية.

وقالت الدراسة إن العين الكسولة غالبا ما تظل مفتوحة، ورغم أن الشبكية في صحة جيدة وترسل المعلومات إلى الدماغ، فإن هذه المعلومات لا تصل إلى الوعي لأن الدماغ يختار عدم استخدامها.

 

تصفح أيضا...