في لحظة الموت، يتوقف نشاط الأعضاء بسرعات متفاوتة. وفي ظل هذه الظروف، كيف يمكن تحديد توقيت توقف الحياة؟ يحاول الباحثون الإجابة عن هذا السؤال.
ذكر الكاتبان باسكال سانتي وبيير ليبيدي، في تقرير نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، أنه وفقا لقاموس لاروس الفرنسي، يتمثل الموت في "خسارة كيان حي (عضو أو فرد أو نسيج أو خلية) بشكل نهائي للخصائص المميزة للحياة، مما يؤدي إلى تدميره".
وبناء على هذا التعريف، نصبح ميتين عندما لا نعود على قيد الحياة. ويتساءل بنجامين روهوت، وهو طبيب أعصاب في مستشفى بيتي سالبترير، قائلا "يمكننا بالطبع اعتبار الموت نهاية الحياة، ولكن ما الحياة إذن؟ هل نكون على قيد الحياة فقط حين نكون واعين؟ أو حين يكون دماغنا نشطا؟ أو عندما يدق القلب؟ إن تعريف الموت هو تعريف الحياة، ويمكننا بالتالي مواجهة عقبات مفاهيمية. هذا بالتأكيد ما يجعل للموت تعريفا قانونيا".
تطور مفهوم الموت
إلى حدود خمسينيات القرن الماضي، عُرّف الموت بتوقف الوظائف الحيوية (القلب والتنفس). إثر ذلك، أحدث جهاز التنفس الصناعي -الذي اخترعه الطبيب الدانماركي بيورن إبسن عام 1952- ثورة في مجال الطب، بعد أن أدى إلى ظهور الإنعاش والعناية المركزة.
لقد طور هذا الاختراع مفهوم الموت. كان الطبيبان الفرنسيان موريس جولون وبيير مولاريت قد وصفا عام 1959 مفهوم الموت الدماغي الذي أعادت لجنة كلية الطب بجامعة هارفارد استخدامه عام 1968، ولم يعد توقف نشاط القلب يعني الموت، وإنما فقدان الوظائف الدماغية.
أُدرجت هذه الفرضية في القانون الفرنسي عبر منشور يوم 24 أبريل/نيسان 1968، مما مهد الطريق للتبرع بالأعضاء.
وفي عام 2012، اقترحت منظمة الصحة العالمية التعريف التالي: "يحدث الموت حين يكون هناك فقدان دائم لقدرة الوعي وجميع وظائف جذع الدماغ".
الإثبات على المستوى القانوني
في فرنسا، تعد معايير الإثبات القانوني للموت صارمة للغاية ويُنظمها قانون الصحة العامة. إذا كان الشخص مصابا بسكتة قلبية وتنفسية مستمرة، فينبغي ملاحظة الغياب التام للوعي والنشاط الحركي التلقائي وكل ردود فعل جذع الدماغ، على شاكلة الحدقات التي لا تتفاعل مع الضوء تماما، في آن واحد.
في حالة توقف نشاط الدماغ، ينبغي تأكيد طابعه النهائي، إما بواسطة تخطيطين مسطحين لأمواج الدماغ مدتهما من ثلاثين دقيقة إلى أربع ساعات، أو عن طريق التصوير الوعائي الدماغي الذي يُثبت توقف الدورة الدموية الدماغية، أي ضخ الدماء في الدماغ؛ عندها فقط يمكن للطبيب توقيع شهادة الوفاة.
لا يعد الموت "انطفاء" تاما، لأن بعض الوظائف الحيوية تتواصل نسبيا. فعلى امتداد ساعات عديدة، تستمر العمليات الفسيولوجية، مثل نمو ملحقات الجلد (الشعر والأظافر).
ويقول ريجيس أوبري رئيس قسم الألم والرعاية التلطيفية وطب المسنين في المركز الطبي المحلي الجامعي في بيزانسون بفرنسا "نحن نعلم بالتأكيد أن البشر لا يموتون دفعة واحدة. يتوقف نشاط الأعضاء بسرعة وأوقات متفاوتة قبل توقفه النهائي". بعد توقف نشاط القلب، قد تمر عشر دقائق قبل نهاية النشاط الدماغي.
تمكنت دراسة المختص في طب الأعصاب جنس دريير -من جامعة شاريتيه في برلين- المنشورة في "أنالس أوف نورولوجي" في مارس/آذار 2018، من استكشاف هذه الظاهرة عن كثب.
في الواقع، تم قياس النشاط الكهربائي للدماغ بفضل أقطاب كهربائية وُضعت داخل الجمجمة، وقد وافقت أسر تسعة مرضى على التقاط اللحظات الأخيرة من حياتهم. عانى هؤلاء المرضى -الذين كانوا ضحايا رضة خطيرة، على غرار السكتة الدماغية- من توقف في القلب. بعد توقف نشاط القلب، يمر الجسم -الذي يعاني من نقص الأكسجين الذي ينقله الدم- إلى وضع توفير الطاقة.
بما أن الخلايا العصبية تسحب من مخازن الأكسجين، لذلك لا تتلف أي خلية في هذه المرحلة. ولكن في غضون فترة تتراوح بين دقيقتين وخمس دقائق، تتوقف الخلايا العصبية عن إطلاق سيالات عصبية، وتنفد قوتها، مما يؤدي إلى موجة يتم إطلاقها من خلال تفاعلات كيميائية حيوية سامة تؤدي إلى الموت.
دومينو
مع مرور الدقائق، تنتشر الموجة داخل الدماغ. هل يمكن إيقافها؟ يفسر جنس دريير أنه يمكن إيقاف جزء من العملية إلى حد ما، من خلال إعادة نشاط الدورة الدموية. كما وصف عالم الأحياء جيمس فيريل من كلية الطب بجامعة ستانفورد -في مجلة ساينس في أغسطس/آب 2018- حقيقة أن الاستماتة (وهي العملية التي تُطلق فيها الخلايا تدميرها الذاتي استجابةً لإشارة ما) سوف تنتشر في شكل موجات إطلاق؛ ويقارن الباحث عملية الموت بسقوط الدومينو.
قامت مجموعة من العلماء بالتركيز على دودة الربداء الرشيقة الإسطوانية التي يصل طولها إلى ملليمتر واحد. يوضح ألكساندر بنديتو الباحث في العلوم الطبية الحيوية بجامعة لانكستر بالمملكة المتحدة، قائلا "كانت فكرتي تتمثل في العودة إلى الوراء ومعرفة ما يسبق الموت"، وكانت النتائج مدهشة.
من خلال مراقبتها بالمجهر باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، لوحظ انتشار موت خلايا الدودة الأسطوانية مثل موجة، حيث تنتشر العملية النهائية انطلاقا من الأمعاء الأمامية إلى المستقيم بسرعة كبيرة جدا، وتحدث تفاعلات كيميائية حيوية بشكل متسلسل، علما بأن الخلايا المميتة تسببت في وفاة الخلايا الأخرى، من خلال انتشار موجة من الكالسيوم، وفقا لوصف ألكساندر بنديتو.
في لحظة الموت، يتوقف نشاط الأعضاء بسرعات متفاوتة. وفي ظل هذه الظروف، كيف يمكن تحديد توقيت توقف الحياة؟ يحاول الباحثون الإجابة عن هذا السؤال.
ذكر الكاتبان باسكال سانتي وبيير ليبيدي، في تقرير نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، أنه وفقا لقاموس لاروس الفرنسي، يتمثل الموت في "خسارة كيان حي (عضو أو فرد أو نسيج أو خلية) بشكل نهائي للخصائص المميزة للحياة، مما يؤدي إلى تدميره".
وبناء على هذا التعريف، نصبح ميتين عندما لا نعود على قيد الحياة. ويتساءل بنجامين روهوت، وهو طبيب أعصاب في مستشفى بيتي سالبترير، قائلا "يمكننا بالطبع اعتبار الموت نهاية الحياة، ولكن ما الحياة إذن؟ هل نكون على قيد الحياة فقط حين نكون واعين؟ أو حين يكون دماغنا نشطا؟ أو عندما يدق القلب؟ إن تعريف الموت هو تعريف الحياة، ويمكننا بالتالي مواجهة عقبات مفاهيمية. هذا بالتأكيد ما يجعل للموت تعريفا قانونيا".
تطور مفهوم الموت
إلى حدود خمسينيات القرن الماضي، عُرّف الموت بتوقف الوظائف الحيوية (القلب والتنفس). إثر ذلك، أحدث جهاز التنفس الصناعي -الذي اخترعه الطبيب الدانماركي بيورن إبسن عام 1952- ثورة في مجال الطب، بعد أن أدى إلى ظهور الإنعاش والعناية المركزة.
لقد طور هذا الاختراع مفهوم الموت. كان الطبيبان الفرنسيان موريس جولون وبيير مولاريت قد وصفا عام 1959 مفهوم الموت الدماغي الذي أعادت لجنة كلية الطب بجامعة هارفارد استخدامه عام 1968، ولم يعد توقف نشاط القلب يعني الموت، وإنما فقدان الوظائف الدماغية.
أُدرجت هذه الفرضية في القانون الفرنسي عبر منشور يوم 24 أبريل/نيسان 1968، مما مهد الطريق للتبرع بالأعضاء.
وفي عام 2012، اقترحت منظمة الصحة العالمية التعريف التالي: "يحدث الموت حين يكون هناك فقدان دائم لقدرة الوعي وجميع وظائف جذع الدماغ".
الإثبات على المستوى القانوني
في فرنسا، تعد معايير الإثبات القانوني للموت صارمة للغاية ويُنظمها قانون الصحة العامة. إذا كان الشخص مصابا بسكتة قلبية وتنفسية مستمرة، فينبغي ملاحظة الغياب التام للوعي والنشاط الحركي التلقائي وكل ردود فعل جذع الدماغ، على شاكلة الحدقات التي لا تتفاعل مع الضوء تماما، في آن واحد.
في حالة توقف نشاط الدماغ، ينبغي تأكيد طابعه النهائي، إما بواسطة تخطيطين مسطحين لأمواج الدماغ مدتهما من ثلاثين دقيقة إلى أربع ساعات، أو عن طريق التصوير الوعائي الدماغي الذي يُثبت توقف الدورة الدموية الدماغية، أي ضخ الدماء في الدماغ؛ عندها فقط يمكن للطبيب توقيع شهادة الوفاة.
لا يعد الموت "انطفاء" تاما، لأن بعض الوظائف الحيوية تتواصل نسبيا. فعلى امتداد ساعات عديدة، تستمر العمليات الفسيولوجية، مثل نمو ملحقات الجلد (الشعر والأظافر).
ويقول ريجيس أوبري رئيس قسم الألم والرعاية التلطيفية وطب المسنين في المركز الطبي المحلي الجامعي في بيزانسون بفرنسا "نحن نعلم بالتأكيد أن البشر لا يموتون دفعة واحدة. يتوقف نشاط الأعضاء بسرعة وأوقات متفاوتة قبل توقفه النهائي". بعد توقف نشاط القلب، قد تمر عشر دقائق قبل نهاية النشاط الدماغي.
تمكنت دراسة المختص في طب الأعصاب جنس دريير -من جامعة شاريتيه في برلين- المنشورة في "أنالس أوف نورولوجي" في مارس/آذار 2018، من استكشاف هذه الظاهرة عن كثب.
في الواقع، تم قياس النشاط الكهربائي للدماغ بفضل أقطاب كهربائية وُضعت داخل الجمجمة، وقد وافقت أسر تسعة مرضى على التقاط اللحظات الأخيرة من حياتهم. عانى هؤلاء المرضى -الذين كانوا ضحايا رضة خطيرة، على غرار السكتة الدماغية- من توقف في القلب. بعد توقف نشاط القلب، يمر الجسم -الذي يعاني من نقص الأكسجين الذي ينقله الدم- إلى وضع توفير الطاقة.
بما أن الخلايا العصبية تسحب من مخازن الأكسجين، لذلك لا تتلف أي خلية في هذه المرحلة. ولكن في غضون فترة تتراوح بين دقيقتين وخمس دقائق، تتوقف الخلايا العصبية عن إطلاق سيالات عصبية، وتنفد قوتها، مما يؤدي إلى موجة يتم إطلاقها من خلال تفاعلات كيميائية حيوية سامة تؤدي إلى الموت.
دومينو
مع مرور الدقائق، تنتشر الموجة داخل الدماغ. هل يمكن إيقافها؟ يفسر جنس دريير أنه يمكن إيقاف جزء من العملية إلى حد ما، من خلال إعادة نشاط الدورة الدموية. كما وصف عالم الأحياء جيمس فيريل من كلية الطب بجامعة ستانفورد -في مجلة ساينس في أغسطس/آب 2018- حقيقة أن الاستماتة (وهي العملية التي تُطلق فيها الخلايا تدميرها الذاتي استجابةً لإشارة ما) سوف تنتشر في شكل موجات إطلاق؛ ويقارن الباحث عملية الموت بسقوط الدومينو.
قامت مجموعة من العلماء بالتركيز على دودة الربداء الرشيقة الإسطوانية التي يصل طولها إلى ملليمتر واحد. يوضح ألكساندر بنديتو الباحث في العلوم الطبية الحيوية بجامعة لانكستر بالمملكة المتحدة، قائلا "كانت فكرتي تتمثل في العودة إلى الوراء ومعرفة ما يسبق الموت"، وكانت النتائج مدهشة.
من خلال مراقبتها بالمجهر باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، لوحظ انتشار موت خلايا الدودة الأسطوانية مثل موجة، حيث تنتشر العملية النهائية انطلاقا من الأمعاء الأمامية إلى المستقيم بسرعة كبيرة جدا، وتحدث تفاعلات كيميائية حيوية بشكل متسلسل، علما بأن الخلايا المميتة تسببت في وفاة الخلايا الأخرى، من خلال انتشار موجة من الكالسيوم، وفقا لوصف ألكساندر بنديتو.
الموجة
وتطرق الكاتبان إلى أن الباحث بنديتو يعمل حاليا على فرضية تتمثل في إمكانية تأخير أو إيقاف هذه الموجة وبالتالي عملية الموت، عن طريق تعطيل جينات متدخلة في نشاط الجهاز العصبي. من المؤكد أن الأمر يتعلق بنموذج حيواني، لكن يرى فريق البحث إمكانية تطبيقه على البشر من أجل ربح دقائق ثمينة أثناء نقل الأعضاء، أو لتعويض عضو "تراجعت طاقته" أثناء "إجراء عملية على مريض حالته الصحية حرجة.
في جامعة ييل بالولايات المتحدة الأميركية، تمكن باحثون آخرون من إعادة بعض الوظائف العصبية في أدمغة 30 خنزيرا ماتوا منذ عدة ساعات. هناك ما يحدث في لحظة الموت وما يليها، وهناك أيضا ما يحدث قبل الموت مباشرة، أي العلامات التحذيرية المبكرة.
وقالت ميشيل ليفي سوسان رئيسة وحدة الرعاية التلطيفية المتنقلة في مستشفى بيتي سالبترير، إن "علامات تسبق الاحتضار تم تدريسها في الرعاية التلطيفية" تظهر لدى البشر. على الصعيد الذهني، وجد الأطباء أيضا أن المرضى "يتمسكون بالحياة" أحيانا إلى حدود تاريخ عيد ميلاد أو زواج، قبل موتهم.