القرارالموريتاني بقطع العلاقة مع حكومة قطر ـ بين المصلحة والايديولوجيا
بقلم / السعد بن عبد الله بن بيه ـ باحث بمجال العلوم السياسية
لقد أثار قرار قطع العلاقات بين موريتانيا ودولة قطر الشقيقة ،مدادا كثيرا رغم أنه لم تمض عليه سوى ساعات قليلة ؛ وإن كان لي من ملاحظات وتعليق سريع على هذا الحدث وما صاحبه من ردود أفعال ، فهو التأكيد على أن الدول لا يمكن أن ترضي الجميع؛ خاصة في سلوكها في البيئة الخارجية التي هي بيئة معقدة جدا، من حيث المعلومات والمواقف والسياسات والمصالح ، وبالتالي فلا بد للدولة كما الانسان من أصدقاء وأعداء .
الملاحظة الثانية : هي أن المواقف في البيئة الدولية والاقليمية، تحتاج حسابا خاصا بجرد المصالح والخسائر بشكل دقيق ومحسوب ؛وبالتالي لا يمكن تصور أي موقف إلا بناء على مصالح محددة "آنية" ؛ بمعنى أنها ليست مطلقة وقد تتعرض للتغيير بحسب ما يطرؤ في هذه البيئة ( إكراهات القرار)؛ وهو دليل حيوية وديناميكية للدبلوماسية الموريتانية؛ التي قدرت على الانخراط في بناء علاقات وأحلاف؛ بحسب ما تسمح به الظروف المحيطة؛ وما يحتاجه الوضع الداخلي الموريتاني أمنيا واقتصاديا وماليا وسياسيا .
الملاحظة الثالثة ، هي أن أي موقف بالصداقة أو العداء أو الحياد يحتاج موارد استراتيجية متنوعة ومستقلة ، وبالتالي فاتخاذ موقف أو الامتناع عنه هو موقف في حد ذاته ، تترتب عليه آثار وتداعيات لا يدركها العامة من الناس، أو الذين ليست لهم علاقة بالقنوات الرسمية والمختصة .
علينا أن نفهم أن موريتانيا دولة عربية، ومنخرطة في السياسة الجماعية العربية ، فقد استضافت القمة العربية ورأستها ،وساهمت في جهود التحالف الإسلامي المناهض للإرهاب ،وأن الدبلوماسية الموريتانية لها علاقات خاصة ووطيدة مع العربية السعودية ؛ وصلت حد التنسيق الأمني والاستخباراتي والعسكري وحتى السياسي ، كما أن للدبلوماسية الموريتانية وجهة نظرها المتحفظة؛ على الثورات المناهضة للإستقرار والداعمة للتغيير اللاسلمي للأنظمة والسياسات ؛ وهي تدين سياسات التحريض الإعلامي ضد الدول والشعوب؛ التي تنتهجها مؤسسات إعلامية مدعومة ومملوكة من دولة قطر الشقيقة ،وبالتالي فالموقف الموريتاني المناصر لحلفه وسربه العربي لا يجب أن يكون مفاجئا ، فضلا عن أن موريتانيا تمتلك معلومات وافية ومحددة ،لكونها فاعلا أمنيا رئيسا في منطقة الصحراء والساحل ؛ وهي متضررة من التدخلية القطرية في ملفات الإرهاب في هذه المنطقة.
وبالتالي فالقرار الموريتاني كان مؤسسا من الناحية الموضوعية ،على معلومات أولا وعلى مصالح وطنية وقومية ثانيا – وماعلي إذا لم يفهم البقر – يترجمها أهمية وقف التطلعات القطرية في قلب الأنظمة وزرع القلاقل في العالم العربي ؛ لحسابات وميول خاصة بقطر ذات الرؤية الخطيرة، والمدعومة بوسائل مالية كبيرة جدا وبمراكز وطاقات ذهنية مستوردة .
يواجه هذا القرار بثلاثة أنواع من المتلقين ؛
- أقلية تمتلك المعلومات وتعرف حدود ومحدودية التعاون الموريتاني القطري وتنافر وجهات النظر؛ وبالتالي هي داعمة بالضرورة لهذا الموقف مالم يستجد جديد يدعو لتغييره ؛ويتوقع مع الوقت اتساع هذا الاتجاه المؤيد، إذا قدرت الحكومة أن تتفهم أن السياسة الخارجية أصبحت شأنا محليا؛ وقدمت الشروح وطمأنت الجهات التي تعتقد بضرر هذا القرار لمصالحها الخاصة ،مثل جاليتنا المحترمة والنوعية في دولة قطر الشقيقة .
- وأكثرية؛ هي من البسطاء الذين وقعوا تحت التأثير الإعلامي والقصف والعصف الإيديولوجي من التيارات المرتبطة بالسياسات القطرية .
- وأقلية ايديولوجية لها مصالحها ومواقفها، المرتهنة لقطر وللتيارات الخارجية ؛ وتمثل جزء من التوجه السياسي العام الخارجي، الداعم للحراك الثوري وتغيير الأنظمة بالقوة، وبناء نموذج حكم افتراضي لهذه الإيديولوجية في العالم العربي .
وعلى ضفاف هذه الأنواع من المتلقين؛ هناك مجموعات -عن حسن نية- ترى بتغليب المبادئ الكبرى في التعاون والحياد والمساعي الحميدة ؛وهم على حق، غير أن الأرضية غير ممهدة لمثل هذا ؛ولعل هذه الضغوط تكون بادرة خير، لترجع قطر إلى حضن أمتها – قريبا - متمسكة بوجهات النظر المختلفة فيها مع دولنا، لكن كافة يدها عن الايذاء الخطير الذي سيؤدي بما بقي من ذماء الدول العربية .