غزة.. عرسان وراء قضبان السجون بسبب قروض الزواج

سبت, 29/02/2020 - 12:01

نتيجة خلافات ناجمة عن "ضغوط مالية" وجد المواطن سامي الكيلاني (29 عاماً) نفسه مضطراً إلى الانفصال عن زوجته، بعد رحلة زواج لم تستمر طويلاً.

بعمر 24 عاماً قرر الشاب الزواج، ولم يكن وقتها يمتلك سوى أقل من نصف تكاليف الزواج التي تقدر غالبا بأكثر من عشرة آلاف دولار في غزة.

اضطر للجوء إلى مؤسسة إقراض لتيسير الزواج، لتمويل باقي تكاليف زواجه، ليجد نفسه مكبلا بالتزامات مالية شهرية، وتسبب عدم قدرته على الإيفاء بها في دخوله السجن أكثر من 25 مرة خلال أربعة أعوام.

جلب السجن لا السعادة
قال الكيلاني للجزيرة نت "الزواج الذي كنت أعتقد أنه سيجلب لي السعادة والاستقرار كان ألماً ومعاناة وملاحقة وسجنا، فبعد شهر واحد فقدت عملي في مهنة النجارة، وجدت نفسي عاجزاً عن سداد أول دفعة من القرض".

وأضاف "من هنا بدأت فصول المعاناة والملاحقة القضائية والسجن، وتخللها مغادرة زوجتي للبيت، وتحول حلم الزواج إلى كابوس بطلاقنا بعد نحو أربع سنوات، لم نتمكن خلالها من الإنجاب".

كان الكيلاني يتقاضى نحو 1200 شيكل (الدولار يعادل 3.5 شياكل) شهرياً من عمله في مهنة النجارة، ويقول "وضعي المالي كان مستقراً وكنت قادراً على سداد قرض الزواج، لولا أنني فقدت عملي بسبب الظروف الاقتصادية المتردية في غزة".

مسميات جذابة ولكن
يضطر كثير من العرسان في غزة، بفعل معدلات الفقر والبطالة المرتفعة، إلى الاقتراض من مؤسسات ربحية تتخذ مسميات جذابة لتيسير الزواج، لتشجيع الشبان على اللجوء لها، وتمنحهم قروضاً تتراوح ما بين ألفين وأربعة آلاف دولار.

واضطرت نحو عشرين مؤسسة إلى إغلاق أبوابها، بسبب أزمات مالية ناجمة عن عدم قدرة غالبية المقترضين على السداد.

وقال الكيلاني "لجأت إلى بيع أثاث غرفتي، وكل ما أملك، كي أتمكن من السداد، ورغم ذلك تأخرت عن موعد الانتهاء من القرض من عامين إلى أربعة، دخلت خلالها السجن عشرات المرات، وتعرفت على عرسان آخرين زجت بهم القروض في السجن".

انتهى الكيلاني من أزمة قرض الزواج، لكنه لا يزال مكبلا بديون اقترضها من الأهل والأصدقاء، خلال الزواج، ومن أجل الإيفاء بالتزاماته المالية.

ويعمل حالياً على "بسطة متواضعة لبيع المشروبات الساخنة" افتتحها أمام منزله في حي الشيخ رضوان في مدينة غزة، ولا يفكر في تكرار تجربة الزواج.

لا للقروض
ومن واقع تجربته المريرة، لا ينصح الكيلاني أقرانه من الشبان إلى اللجوء لمؤسسات الإقراض من أجل الزواج، إلا من كان واثقاً من قدرته على الانتظام في السداد، وتحمل نفقات الحياة الزوجية.

وبالإضافة إلى "مهر العروسة" الذي يتراوح في غزة ما بين أربعة آلاف وسبعة آلاف دولار، يتحمل العريس تكاليف باهظة ومرهقة مالياً، تتعلق بوليمة الغذاء، وسهرة الشباب ووجبة العشاء، ومواكب السيارات، واستئجار قاعة زفاف. 

تراجع
تشير تقديرات رسمية إلى تراجع حاد في إقبال الشباب على الزواج في غزة. أحد هؤلاء هو محمد "هارون بنات" الذي تجاوز عقده الثالث من العمر، ويقول للجزيرة نت "بلغت 33 من عمري ولا يبدو أنني سأتمكن من الزواج نهائياً".

ورغم أن "هارون بنات" يجيد عدة مهن حرفية، فإنه عاطل عن العمل منذ سنوات، ويتقاسم هو واثنان من أشقائه الخمسة أحد ثلاث غرف في منزل أسرته في حي الشيخ رضوان.

وبينما كان يجلس على حافة رصيف محاذ لمنزله، قال هارون بنات بحرقة: أقل زواج في غزة يحتاج عشرة آلاف دولار، وأنا لا أمتلك منها دولارا واحدا.

ولا يعتبر محمد نفسه حالة غريبة واستثنائية، ويقول إن غالبية أصدقائه غير متزوجين، رغم بلوغ كثير منهم سن الثلاثين.

وقبل سنوات سبقت الحصار الإسرائيلي على غزة، كان عمر الزواج للشباب لا يتجاوز 25 عاما، وللفتيات أقل من 22 عاماً.

القطاع والعنوسة
قال رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي حسن الجوجو للجزيرة نت إن قطاع غزة يمر بحالة "العنوسة المركبة" وتعني عزوف الشباب في عمر ثلاثين عاماً وأكثر عن الزواج، وكذلك عنوسة الفتيات.

وأضاف "هناك انخفاض في نسبة الزواج خلال العام الماضي بفعل الضائقة الاقتصادية".

وبحسب الجوجو فإن الحصار والوضع الاقتصادي المتردي تسببا بشكل أساسي في زيادة التفكك المجتمعي والأسري، وساهما في زيادة حالات الطلاق مقارنة بالزواج.

ولمساعدة الشباب على الزواج وتحقيق التكاثف المجتمعي، حث الجوجو الأسر والعائلات على مراعاة أحوال العرسان الجدد، وعدم تحميلهم تكاليف لا يطيقونها، والاكتفاء بمظاهر زواج بسيطة، والاستغناء عن عادات وتقاليد لا لزوم لها.

وختم بالقول "إن جمعيات تيسير الزواج يجب أن تكون داعمة للشباب، وتكتفي بهامش ربح بسيط، وألا تستغل حاجتهم وترهقهم بأعباء إضافية تؤدي إلى عدم الاستقرار، وإلى الطلاق".  

 

 

الجزيرة نت

 

تصفح أيضا...