ترجمة الكاتبة مخفية الاسم : eddehma rim - كدتُ أصاب بالجنون، لقد وضعوا تحت إمرتي أفراد المجموعة التي تعقبت وقتلت الأمير سيدي احمد ولد احمد العيده، كيف آخضع لسلطتي أبطالا مثلهم تم توشيحهم، السلطة لا تُختلق، السلطة تُتَعلَّم تماما كما يُتعلّم الانصياع... في آكاديمية "السين سير" أول ما نتعلم هو الانصياع.. تكوين قاس على الطاعة العمياء التي بدونها لا وجود لسلطة ولا جيش، ومنذ آيام نابليون كان "الانضباط" يصنع القوة الأساس للجيوش.. من المهم أن يحصل أيّ رئيس من مرؤوسيه على طاعة كاملة وخضوع في كل لحظة"..
أحكمتُ قبضتي على كأس الشاي الصغيرة.. أنا الذي كنت أهمس لنفسي: "حين أكبر، سأكون جنرالا" كان علي أن أتبين أنه بين "جان"، الطفل الذي يضرب رأسه على الحائط، والمراهق المتمرد.. لم يكن هناك استعداد للانصياع٬ لكن ماذا يتوقع أن أفعل حين أكون ابن ضابط وحفيد ضابط، وحفيد حفيد ضابط. الموت أهون من اظهار الضعف، لم يكن لنا من خيار آخر في هذه الحياة.
في "السين سير" قالوا لي وكرروا مرارا: كن قاسيا!
في تلك الفترة لم أسائل نفسي حول مسألة السلطة.
فَصيل من الرماة السنغاليين لا ينبغي أن يخيفني لهذا الحد، فلدي أزيد من تجربة سنة في الميدان، غير أن هؤلاء نوع خاص، ليسوا سنغاليين جدا، أغلبهم من السواحليين، من البيل أو التكلور، قرويون من ضفة النهر، مزارعون ومنمون و"مرابو" أو صناع تقليديون، بلادهم تشكل حلقة وصل بين أرض البظان وأرض السود. يقال إن البيل أبناء عمومة التكلور، وفي الواقع يتقاطعون في الملامح الدقيقة، النمط الإثيوبي، وفي قاماتهم الفارعة، وهم أقل غربة من بقية الرماة بحكم المناخ المتقارب، وعادة الاحتكاك بجيرانهم البظان، ومنهم من ربطتهم علاقة مصاهرة من خلال النساء بقبائل من الزوايا من الجنوب الموريتاني، ويفهمون العربية.
هؤلاء يأتون إلى مهنة السلاح مكرهين، وأحيانا قسرا.. الموجودون منهم في الخدمة إما جلبوا بالإكراه أو جلبتهم رياح العلاوات، وبعد أربعة وعشرين شهرا من الخدمة الإجبارية ينطلقون دون تأخير إلى قراهم..
ضم الجيش الفرنسي عددا قليلا من أصحاب الرتب من البيل والتكلور، فالموالون الحقيقيون للجيش كانوا من المالينكي: بامبارا، سراغولي ، سونينكي.. محاربون من مالي القديمة، مزارعون جثثهم ضخمة، وبنيتهم أقوى من بنية السواحليين، مع أنهم أقل تحملا للعطش، هؤلاء تجاوزت سمعتهم الآفاق كبناة لإمبراطوريات كبيرة ومحاربين أشاوس، والبامبارا بالذات يحبون القتال.
بيل، تكلور، بامبارا ، سونينكي، موشي ، كثير من الاثنيات وكثير من اللهجات، ولحل مشكل التواصل أدخل الجيش تدريس اللغة الفرنسية في منهج التكوين العسكري.
غالبا ما نمارس التدريب العسكري صباحا، ونخصص المساد لدروس اللغة، حيث أتلقى بدوري دروسا في العربية من عنصر من "كوميات" نصحني به الضابط "ديفال".. معرفة الحسانية كانت آجبارية على كل الضباط، في حين فَرَضت لغة "البامبارا" نفسها في الاستخدام العام من طرف رماة غرب افريقيا، لأن أغلب أصحاب الرتب كانوا من هذه العرقية، مما اضطر البيل والتكلور بدورهم إلى التعاطي بها في المحادثات البينية.
لا يوجد ضابط أسود في الجيش الفرنسي، الإمبراطورية ليست بخيلة بالميداليات، لكن لا تريد دفع ثمن الدم الأسود بنفس القيمة التي تدفعها كثمن مقابلٍ للدم الأبيض، وعليه فإن ضابط صف أسود شيء مهم.
على نحو آلي أضع سلاحي، وأبسط يدي، أفكر في الجن الأزرق "لسين سير"، هنا جاء دوري لقيادة جن أسود.. جن من الواضح أنه لن ينفعني معه ما أوصتني به الحياة في "السين سير"، حيث لا يمكنني السيطرة عليهم لا برتبتي، ولا بخبرتي، فحاولت أن أهيمن عليهم بالعقل.