تمر اليوم الذكرى السابعة لرحيل الزعيم الليبي معمر القذافي ومرافقيه يوم 20 أكتوبر سنة 2011 بمدينة سرت، التي شهدت آخر مواجهة بين القوات الليبية والمجموعات المسلحة المدعومة من حلف الناتو، وللوقوف على تفاصيل اليوم الأخير وما سبقه من مواجهات وتحركات للراحل معمر القذافي ألتقت "بوابة افريقيا الإخبارية" بأحد الناجين من مرافقي القذافي، والذي يعتبره البعض بمثابة أحد آخر أقلامه بالنظر لقربه منه ومساهمته في ترتيب تحركاته وتأمين تواصله مع وسائل الإعلام وقادة محاور القتال وغيرهم ممن استمر التواصل معهم بعد الانتقال من العاصمة طرابلس إلى مدينة سرت، وهو الذي قاد آخر سيارة استقلها القذافي قبل تعرضها للقصف قبيل وفاته بساعات.
فكان اللقاء مع فرج علي، الذي نجى من الموت عدة مرات باعجوبة، والذي تعرض للاعتقال وتم الإفراج عنه بعد قضاء ست سنوات من السجن.
هل كانت لديك سابق علاقة خاصة بالراحل معمر القذافي؟
لم تكن لي مع الشهيد أي علاقة خاصة إلا الاجتماعية، ولكن منذ يوم 24 أغسطس 2011 وهو موعد وصوله إلى مدينة سرت بعد خروجه من مدينة طرابلس يوم 23 واستمروا في الطريق حوالى 20 ساعة لأنهم لم يسلكوا الطريق المعتاد.
وأنا منذ وصولهم إلى مدينة سرت كان لي شرف مرافقة القائد إلى يوم 20 10 2011، وأذكر أننا كنا نستقبل العزاء في اخي الشهيد الأول "حسن" فوجئت يوم 24 اغسطس بحضور الشهيد عزالدين الهنشيري، ويرافقه أثنان من شباب سرية الحراسة، كانوا يبحثون عن شقيقي الأكبر الشهيد إبراهيم علي، الذي كان سبقهم في الوصول إلى سرت، وعند الظهر دُعيت لإحدى الشقق في مدينة سرت لأجد القائد وبعض مرافقيه، وهنا أؤكد أن القائد لم يبت أي ليلة خارج سرت منذ وصوله "بخلاف رويات أخرى" ومنذ أول لقاء كُلفت بتأمين أماكن تواجد القائد، والحمد لله تشرفت بأن توضع في هذه الثقة الغالية، وأحمد الله أننا تمكنا من تأمين تنقلاتنا وتحركاتنا على الرغم من كل الجهود والمحاولات التي كانت تقوم بها أجهزة استخبارات عالمية ومنظومات الناتو و"عملاؤه" على الأرض، فلم يتم معرفة تواجد القائد إلا عندما قرر هو الخروج لفك الحصار على مدينة سرت يوم 20 أكتوبر.
كيف كانت الحياة اليومية؟ وكيف يتعاطى مع الأحداث؟
طيلة فترة تواجدنا برفقة القائد كان متماسك يعيش حياته بشكل طبيعي إلى أبعد الحدود، وكان لا يتأثر حتى أثناء عمليات القصف سواء كان من قبل طيران الناتو، أو عن طريق المدفعية، وأذكر أنه خلال تواجدنا في العمارات تعرضت عدة شقق في نفس العمارة التي كنا نتواجد بها للضرب المباشر، بل أنه في إحدى المرات تم ضرب إحدى الغرف بنفس الشقة، وهو كان لا يتأثر، وكل ما كان يوصي به هو فتح النوافذ لتقليل تأثير الصدمة، وكان يحرص أن يخرج للاطلاع على ظروف المدينة والمناطق المجاورة لها، حيث خرج عدة مرات إلى مناطق الخمسين وجارف وبوهادي وغيرها من المناطق، إضافة إلى أنه كان يفضل الخروج إلى الأماكن المفتوحة، وكان يحرص بشكل دائم لقضاء ساعات النهار في المزارع، وأذكر أنه يوم 15 سبتمبر، وهو أول يوم تمت فيه مهاجمة مدينة سرت كنا بإحدى المزارع في الوقت الذي تمكنت المجموعات المسلحة من الوصول إلى منطقة بن همال "المدخل الغربي للمدينة" وعلى الرغم من أننا كنا في مرمى النيران إلا أنه لم يكترث وأصر على البقاء في مكانه، حتى تمكنا فيما بعد من الانتقال إلى داخل المدينة.
كيف كان القذافي يتعامل مع المواجهات؟
كان طيلة فترة المواجهات يتميز بهدؤ غير عادي وتساؤلاته هادئة وينصحنا بعض النصائح لتحركاتنا والتعامل مع أي استهداف محتمل، بل على العكس كان هو مصدر ثقة لكل مرافقيه ولم نكن نشعر بالخوف ونحن إلى جانبه، بل أنه كان يحاول الخروج إلى خطوط المواجهة، و كنا نتحايل عليه بعدة أعذار وهدفنا كان حمايته من الوصول للمواجهة المباشرة، وكان الشهيد المعتصم بالله يحرص على عدم خروجه.
وماذا عن التواصل مع وسائل الإعلام؟
نعم كان القائد يقوم بتسجيل عدد من الرسائل في مقاطع صوتية يتم بثها في قناة الرأي وقد تتناقلها بعض القنوات الأخرى، علاوة على إذاعة سرت المحلية، واستمر في بث هذه الرسائل حتى تاريخ 25 سبتمبر وهو التاريخ الذي فقدنا فيه الاتصال بشبكة المعلومات الدولية "انترنت" وذلك بعد سقوط الموقع الذي كنا نعتمد عليه في توفير الخدمة، وكان بميناء سرت البحري الذي في أيدي المجموعات المسلحة، وبعدها أصبح عملنا يقتصر على ما يمكن إيصاله بالاتصال بالهاتف وبهاتف الثريا، إلا أن القائد لم يقم بالاتصال مباشرة بالهاتف، وهنا أؤكد أنه لم يستخدم الهاتف أو هاتف الثريا على الإطلاق، وإن كان استخدم الاتصال في الشبكة المحلية داخل سرت في فترة البداية قبل تعطلها هي الأخرى.
ماذا تتذكر من المواقف التي كانت تمثل خطر على حياته؟
أكبر خطر كان يتمثل في إصراره أن يعيش حياته في تلك الفترة بشكل طبيعي على الرغم من الظروف الصعبة، وأذكر عندما كنا في حي الفاتح المعروف بالشعبية الجديدة في سرت، وكان فترة الضحى يخرج من البيت وهو بهيئته المعروفة وبملابسة المعتادة، وباعتبار أن المكان مكشوف كنا نحاول إقناعه بإرتداء ملابس مختلفة، فكان يرفض بشكل قاطع، ولم يسمح لنا نهائيا بفتح المجال لمحاولة الحديث معه بالعمل على التنكر كأحتراز أمني، أقصد أنه طيلة الفترة وحتى اليوم الأخير كان محافظ على هيئته التي يعرف بها وحتى الملابس هي نفس الملابس التي طالما كان يرتديها، واعتقد أنه كان له مغزى معين من ذلك، حتى أنه اختار الخروج ودخول المواجهة المباشرة بنفس الهيئة، وعندما عرض عليه ارتداء الخوذة لوقاية الرأس رفض وأصر على إرتداء العمامة التي عادة ما تميزه عن غيره.
وخلال تنقلاتنا من مكان لمكان كان الخطر محدق بنا من كل جانب، وكانت العديد من المواقع التي أُختيرت للبقاء فيها تستهدف بشكل مباشر بالقصف، ومن بين المواقف أذكر أنه عندما أستشهد العميد الهادي النعاس، كان أمام نفس العمارة، وفي إحدى المرات تم قصف الشقة التي نتواجد بها حيث ضربت إحدى القذائف جزء من الشقة التي كان القائد يتواجد بها، وقبل خروجنا بيوم واحد يوم 19 أكتوبر أستشهد سليمان الشيباني "حارس خاص" برصاصة قناص أمام القائد مباشرة حيث كان بجواره في نفس المكان لاتزيد المسافة بينهما عن 5 خطوات.
ماذا عن مكونات المجموعة التي بقيت إلى اليوم الأخير؟
المجموعة التي بقيت بعد إنحسار المعارك في رقم 2 كانت متنوعة بشكل حقيقي حيث أنها تمثل كل مناطق ومعظم قبائل ليبيا، إضافة إلى أن العنصر النسائي أيضا كان متواجد معنا، فكانت معنا مجموعة من النساء وعائلات قليلة، وأذكر أن البنات كن يقاتلن إلى جانب الشباب ، وحتى يوم 20 شاركن في المواجهة المباشرة، وبعد استنفاد الذخيرة وخسارة المعركة كنا حريصين على حمايتهن، وهنا أود أن أشهد بأن أحد عناصر المجموعات المسلحة، وكان رجل كبير في السن قام بتوفير حماية خاصة لمجموعة النساء ومكنهن من الخروج بآمان حتى وصلن إلى إحدى المناطق "أعتقد جارف أو بوهادي".
كيف تم اتخاذ القرار بالخروج؟
كنا نحاول في عدة مرات إخراج القائد من المدينة إلا أنه يرفض بشكل قاطع، على الرغم من أنه كان بإمكاننا تأمين خروجه إلى أي مكان، ولكنه كان يرفض فكرة الخروج من سرت، وكان يقول هذه بلادنا وأرضنا وسنموت فيها؟ ولكن يوم 20 أتخذ القرار لفك الحصار، لأنه لم يعد لدينا ما يكفي من الذخائر والأسلحة للمقاومة، وكانت الخطة أن نقوم بالخروج للاستيلاء على الأسلحة والذخائر، أو الوصول إلى مخازن السلاح في المنطقة الصحراوية جنوب مدينة سرت، والوجهة التي تحددت كانت باتجاه منطقة جارف، وكان اختيارنا لمحور محدد للخروج باتجاهه لأنه يمثل نقطة ضعف، وذلك بعد القيام بعملية استطلاع سابقة، وبالفعل تمكنا من الوصول إلى منطقة الزعفران، وبالقرب من مصنع الأعلاف دون مقاومة تذكر، وكنا نتقدم والعدو ينسحب، إلى أن تدخل الطيران واستهدف الموكب عند جزيرة الزعفران، وكانت الضربات قاصمة وفككت ما تبقى من قوتنا، وتعرضت السيارة التي كان يستقلها أفراد الحراسة لضربة مباشرة وهي كانت خلف سيارة القائد مباشرة، ما تسبب في تعطل سيارة القائد والتي كان يقودها عبدالعزيز عجاج الذي أستشهد لاحقا، وفي هذه الأثناء تعرض الشهيد المعتصم بالله لإصابة لأنه كان بجوار سيارة القائد لحظة القصف، وبعدها انتقل القائد إلى السيارة التي كنت أقودها وكان يرافقه الشهيد عزالدين الهنشيري، ومنصور ضو، والحاج حمد مسعود، وأنا توليت القيادة، وعند محاولتنا الانتقال إلى الجنوب كانت المواجهة حامية الوطيس وكثافة النيران شديدة ومن كل الاتجاهات، وفي هذه الأثناء قام الطيران بتنفيذ ضربة ثانية دمرت عدد كبير من عرباتنا، وأدت إلى تعطل السيارة الثانية، فترجل الجميع وبدأت المواجهة المباشرة وقد شارك فيها القائد، وكانت المرة الأولى التي يظهر فيها أمام الشباب وحياهم ورفع من معنوياتهم وأذكر أنه قال :" الشهادة يا شباب.. الشهادة يا شباب"، واستمرت المواجهة من الساعة 8:30 إلى قرابة الساعة 12 ظهرا، ولم يبقى أي من المجموعة لم يتعرض للإصابة، وفي تلك الأثناء ألتحق الشهيد أبوبكر يونس بالقائد، ومعهم المجموعة الأخيرة الذين كانوا يحتمون بعبارة مياه الأمطار بالجانب المرتفع من الطريق، وعندما علم القائد باستشهاد بوبكر يونس "وزير الدفاع" من أحد أبنائه قال "هنيئا له".
البعض يعتبرك بمثابة آخر قلم بقي مع الراحل فماذا تقول لمن كانوا بالقرب منه ولكنهم اختفوا في لحظة المواجهة؟
علاقتي بالقائد فى هذه المرحلة التاريخة الحرجة التي تخلى فيها الكثيرين عن القيادة كانت أكبر وأوثق من وظيفة القلم والسكرتارية، أما المسؤولين الذين كانوا بجانب القائد وقت الرخاء ثم اختفوا وقت الحسم والمواجهة بأي حجة فمن كلف بمهمة عليه اتمامها وعرض نتائجها وليس التحجج بها لتغطية تخاذله وكلنا نعلم أن القائد فى كل كلماته التي بثت عبر الاذاعات يحرض على القيام بالواجب والدفاع عن الوطن، وقد طلب من بعض المسؤولين الذين تواجدوا معه داخل سرت بالخروج قبل اليوم الأخير ولكنهم رفضوا الخروج وقام كلٌ منهم بواجبه.
ما هي آخر كلمة سمعتها منه مباشرة؟
القائد كان قليل الكلام ولكن معنوياته كانت عالية وكان يشجع في مرافقيه، ومن بين آخر العبارات التي سمعتها منه مباشرة هي عبارة "الشهادة يا شباب " وقبلها أذكر عندما ترجلنا من السيارات ووجد نفسه وسط الشباب المقاتلين طلب من الحاج حمد مسعود أن يقوم "بالمهاجاة" (غناء حماسي باللهجة الشعبية الليبية) ولقن الحاج حمد مسعود، بمقطع أخذ يردده يقول فيه :" فزاعة ثلاثين مية ضنا وطن ما هم لقايط.. جو كيف جمر القلية وين صار في الوطن عايط"... الموقف كان ملحمة حقيقية ونحن اليوم نفتخر إننا كنا ضمن تلك المجموعة التي ضمت كل مكونات ليبيا دون استثناء، فكل من اتخذ قرار المشاركة في هذه الملحمة تمكن من الوصول، وخير دليل موقف الشهيد أبوبكر يونس جابر الرجل السبعيني الذي جاء من الجفرة إلى سرت التي كانت تحت الحصار، في الوقت الذي كان يمكنه الاتجاه إلى أي مكان آمن، وهو بذلك قطع الطريق أمام كل من يتحجج بعدم القدرة على الوصول إلى سرت.
بماذا خرجت من هذه التجربة؟
تأكدت من أن معمر القذافي رجل استثنائي لن يتكرر في تاريخ ليبيا المنظور، فهو إلى جانب كونه قيادي وصاحب فكر، كان صاحب "كرامات" ومتدين محافظ على الصلاة في أوقاتها ويحرص على صيام يومي الأثنين والخميس باستمرار، ويوم 20 باعتباره يوم خميس كان صائما، فهو على الرغم من أنه أعطى تعليمات للمقاتلين بالفطر في الأيام الأخيرة من شهر رمضان إلا أنه كان محافظ على الصيام.
هل ترك الراحل وصية؟
أنا لم يكن لي علم بأنه ترك وصية، ولكنه بالفعل كان يواضب على الكتابة بشكل مستمر ويقوم بتسجيلات صوتية، ولكنه عادة ما يكون بمفرده عندما يقوم بالتسجيل، وعلمت فيما بعد أنه ترك وصية مسجلة تم نشر جزء قصير منها واعتقد أن التسجيل طويل وتم تسجيله ليلة الخروج، وتحصل عليه عناصر المجموعات المسلحة وحاولوا بيعه بمقابل مالي كبير والمقطع الذي تم تسريبه هو الذي تم بثه عبر القنوات المرئية، واعتقد أن كل رسائله وتسجيلاته بقيت في السيارة، وبالنسبة للوصية المكتوبة والمتداولة لم يكن لي بها علم مسبق واستبعد أن تكون من كتابة القائد.
كلمة أخيرة..
هنيئا لشعبنا الليبي العظيم الذي صمد، وهنيئا لكل من وقف في صف الحق، والتحية أيضا لمن أمتلك الشجاعة في التراجع عن الخطأ، نحن خسرنا معركة وخسرنا شخصية فذة مثل معمر القذافي، ولكننا نفتخر بأننا كنا على صواب، وأدعو الله أن يجمعنا بهم في الجنة.