ترجمة لرواية / تجربة ضابط جمّالة فرنسي خدم في موريتانيا 1933-1935 / الحلقة الخامسة

سبت, 12/10/2019 - 11:39

ترجمة الكاتبة مخفية الاسم : eddehma rim -  ... الوصول إلى شنقيط أقسى منه إلى أطار، كنتُ جرّبتُ امتطاء الإبل، وخلال السفر عانت إليتاي،.. استقبلتنا مجموعة من "كَوميات" على بعد عشرين كلم من القرية، نظموا للضابط "ديفال" استقبالا خاصا بإطلاق الرصاص الترحيبي.

شنقيط أكثر سحرا من أطار.. أنذروني أن البدو هنا أكثر تقليدية، وأن سكانها الزوايا الصارمين أكثر عدائية اتجاه الفرنسيين من محاربي أطار. وقد اتضح لي بسرعة أن ما قيل كان صحيحا، حيث يسود مناخ مسدود في الواحة الصَّابة عند سفح الكثيب، الناس حذرون وكتومون.. المنارة العتيقة تطل على الساحة.. الشيوخ يجلسون في ظل الحيطان يمررون سبحاتهم، النساء نظراتهن مكسورة.. الأطفال خجولون لا يُحيُّون بأيديهم، كل ذلك يُشعِر بالإسلام.

في شنقيط، حسَّنتُ من مهاراتي وتعرفتُ أكثر على مجتمع البظان.. مجتمع اقطاعي، بأرستقراطية الامتيازات، وأرستوقراطية السَّيف، بتابعيه وفرسانه، كلهم حسّاسون للترتيب.. نصحوني بأن أحاذر.

كان هناك أيضا مغنون متجولون، وصناع تقليديون وأقنان ومستعبدون، أحترتُ بداية وسألت قائد المركز:

- كنت أظننا ألغينا العبودية

- ألغينا المتاجرة بالعبيد، أما غير ذلك فقوله أسهل من فعله.

- ألم نعتق العبيد؟

- لم نعتق شيئا نهائيا، إداريا هم عبيد بالمولد، لقد حرَّمنا فقط الاختطاف، وإذا قدم إلينا أحدهم هاربا، نصبح مجبرين على استقباله، لكن ماذا تريدنا أن نفعل؟  المدنيون طيبون بأفكارهم العظيمة، لكن لم يهيئوا شيئا ليتحول العبيد إلى عتقاء.. لا يهتمون، أين تريدهم أن يذهبوا؟ لا أُسر، لا مال، لا شيء، ليس لهم إلا أسيادهم. وكذلك لا يمكن أن نقوم بثورة في مجتمع دون أن نحدث فوضى.. على أية حال نحن العسكر، ليس هذا شأننا، ما يهمنا هو حسن سير الأمور، ولا يجب التعويل علينا في هدم الأمور التي تسير بشكل جيد.

كانت فرقة شنقيط تضم خيرة "المهاريست"، ففرقة "اترارزة" قد أبيدت في أم التونسي، بينما عرفت فرقة أطار هزائم مدوية، في اطريفية 1925م، وكانت المعركة الأطول والأكثر دموية في تاريخ موريتانيا، ثم في السنة الفارطة في "توجنين".

 ضمت فرقة شنقيط أيضا النقيب "لكوك"، هذا البطل الذي تعقَّب أمير آدرار خلال غارة مثيرة.

 لم أفهم جيدا الطبخة السياسية التي كانت وراء ذلك، كل ما أعرفه أن أميرا خائنا قتل أحد ضباط النقيب "لكوك"  يدعى "موسات"، طعنه رجال الأمير في الظهر وهو يتناول شاي الضيافة، قتل تحت الخيمة في تناقض مع كل أصول الضيافة البدوية، نجح أحد الرماة المرافقين له  في الفرار من مسرح الحادثة ليبلغ النقيب "لكوك" بما حصل، جمع هذا الأخير نخبة من الرماة بمدافعهم الرشاشة، وبعض "كوميات"، وكان من ضمنهم من له أخوة مع الأمير، تعقبهم لثمانية أيام وقد كان الأمير أكثر عددا لكن الغلبة للمباغتة،.. تولى "لكوك" قتل الأمير بنفسه، وعلق جندي خدمته من الرماة رأس الأمير على راحلته وهو من قطعه بمنجله،  وكلما صادفهم مخيم في الطريق، يجرون اتجاهه، يدورون حوله ويلوحون بالغنيمة الشريرة، رأس الأمير.. لقد كان من حسن حظي أني التقيت هذا الضابط أثناء مروره من شنقيط باتجاه الجنوب.

 

رابط الحلقة الرابعة : هنا

تصفح أيضا...