تستحق علينا الديمقراطية التونسية أكثر من تهنئة واحدة؛ فهي تعطينا كل يوم أملا جديدا في بحار اليأس الذي يريد أعداء الحرية والديمقراطية أن يغرقونا فيها.. وتقول لنا إن الذين خرجوا وتظاهروا، وقتلوا، أو جرحوا، أو سجنوا من أ جل أن نختار من نريد أن يحكمنا لم يكونوا على خطأ ولم يكونوا خونة، ولم يكونوا غوغاء ولم يكن مغررا بهم.
إن هذه الحقيقة البديهية التي كنا نعرفها عمن يخرجون إلى الشارع مضحين بمصالحهم الشخصية من أجل الصالح العام قد تعرضت لكثر من التشكيك، ونحتاج إلى من يذكرنا بها كل مرة، وهو ما تتولاه الشقيقة تونس كل مرة؛ يخرج رئيسها من السلطة ويسلمها وهو طيب النفس مطمئن على أن الشعب اختار غيره، وأن البلاد لن تخرب بعده، ويموت رئيسها فلا نسمع حديثا عن مجلس وصاية، ولا أحد ينازع في شرعية الرئيس الدستوري.. ولا يذكر الجيش في كل ذلك.
هذه هي التهنئة العامة، أما التهنئة الخاصة فللفائزين بثقة التونسيين لخوض السباق في شوطه الثاني، ولحركة النهضة بحلولها في المرتبة الثالثة.. وقد كنت أتمنى ألا تتجاوز النهضة المرتبة الثالثة، ولا أظن أن تجربة تونس الديمقراطية، والتحديات التي تواجهها تتحمل أن تكون النهضة في السباق في مرحلته الثانية..
أعرف الشيخ عبد الفتاح مورو، وأعرف انفتاحه، وتوازنه، وإيمانه بالدولة، وبالحقوق والحريات، ولكني أعتقد أن المجتمع التونسي لم يستعد بعد ليحكمه الإسلاميون، لا لأنهم سيحاولون تغييره قسرا، كما يروج جهلة الخصوم، ولكن لأن الحرب التي تشن على الإسلاميين في العالم العربي ستضر بتونس لو ترأسها إسلامي ولو كان بانفتاح الرئيس مورو وبدون صلاحيات تنفيذية تذكر.
لا أخفي كسياسي حزبي محافط أني كنت أتمنى رئيسا سياسيا لتونس، وأنني أومن بالتغيير الآمن، ولو عن طريق جرعات مخففة من الديمقراطية، ومن المنظومة السابقة، وأعتقد أن الأوطان في المراحل الانتقالية تحتاج شخصيات انتقالية.
والآن أدعو الله يوفق التونسيين لاختيار الأستاذ الجامعي والخبير الدستوري النظيف قيس سعيد، وألا يتورطوا مع القروي، فليس لائقا بالديمقراطية التونسية الجميلة أن تأتي برجل تلاحقه شبهات التهرب الضريبي وغسيل الأموال.
قبل سنوات ثار التونسيون احتجاجا على ليلى الطرابلسي وإحكامها السيطرة على قرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وعادوا الآن ليكملوا الثورة ويختاروا بإرادتهم قيسا، وكذلك الأحرار ينتصرون للحب العذري البريء، وينحازون للعاشق المحروم ضد والد المحبوبة الذي أغلى مهرها، وحرم المحب منها.
إن هذا الإنصاف الرمزي لقيس بعد قرون من مأساته سيكون فاتحة خير على كل عشاق الحرية، الطامحين لتحرير معشوقاتهم من جشع الآباء، وسطوة مالكي المال.